الدراما والأرض وما بينهما..؟
سلوى عباس
لا تقتصر مناسبة يوم الأرض على الأراضي الفلسطينية فقط، بل تنسحب المناسبة على كل أرض محتلة في الوطن العربي، وقد عملت الدراما على تأريخ مفهوم الأرض من خلال التركيز على البطولات والمقاومة، حيث إن دراما المقاومة هي الأكثر جذباً للمتابع العربي يتعرّف الناس من خلالها على واقع الحياة للإنسان الفلسطيني والعربي بشكل عام، وكيف أنه يصبر ويقاوم الاحتلال ويدافع عن أرضه وعن معتقده، غير مكترث بحصار أو إغلاق، أو مرض، أو أي شيء آخر. ولو عدنا بالذاكرة إلى الأعمال الدرامية التلفزيونية السورية التي تصدّت للقضايا الوطنية العامة منذ أيام الأبيض والأسود، سنجد “انتقام الزباء” الذي تحدث عن الصراع بين مملكة تدمر والفرس والروم، و”عز الدين القسام” الذي عرض لمرحلة نضال الشعب السوري والفلسطيني ضد الاحتلال البريطاني، ومسلسل “هجرة القلوب إلى القلوب” و”خان الحرير” الذي جسّد نبض الشارع السوري في خمسينيات القرن الماضي، والحماس الوطني الذي تبدّى لدى الناس، ولا ننسى أيضاً مسلسل “ردم الأساطير” الذي فضح سرقة الصهاينة للآثار السورية وإبراز دور موقع إيبلا الذي كشف زيف الادّعاءات الصهيونية حول الأرض.
وفي مرحلة أخرى، استطاع نجدت أنزور إنجاز ثلاثة أعمال عن نضال السوريين ضد الاستعمار الأجنبي، كان أهمها مسلسل “نهاية رجل شجاع” الذي رصد فترة مهمة من التاريخ السوري المعاصر، في تأكيد على تواشج الحسّ الوطني والاجتماعي العالي، للإنسان السوري، وقد ركزت هذه الأعمال على جوانب من حياة الناس في مواجهتهم للمحتل في مختلف المجالات، وتحديداً تماسك الشعب السوري والتفافه حول قضيته الأساس. وقد نجحت هذه الدراما في رصد الروح الوطنية للأبطال التاريخيين الذين حملوا راية النضال ضد مستعمريهم على مرّ الزمان، ولنا في مسلسلات “أنا القدس”، “التغريبة الفلسطينية”، “عائد إلى حيفا”، “الغالبون” بجزأيه، “قيامة البنادق”، وغيرها من الأعمال، خير دليل على نزوع الدراما نحو تجسيد البطولات التي قدّمها أبناء المنطقة العربية على مر التاريخ، فكان هؤلاء الأبطال إشراقة الشرف والكرامة التي أضاءت التاريخ، وقد ركز صنّاع هذه الأعمال على الجانب الإنساني لهؤلاء الأبطال وفق مقاربة فنية تظهر تفاصيل حياتهم، وعلاقتهم بأسرهم، والتضحيات التي قدموها في سبيل وطنهم. وهذا ما أعطى هذه الأعمال مصداقية وموضوعية في الطرح والمعالجة، وقد جسّدت هذه الأعمال عبر رسالتها الملتزمة التي اشتغل عليها الرواد واستمرت حتى الآن رؤية شمولية لثقافة المقاومة نأمل أن يكون لها تأثيرها الفاعل في وعي الآخرين.
كما حققت الدراما الفلسطينية نجاحاً ملحوظاً، رغم ضعف الإمكانات مقارنة مع مثيلاتها في القنوات العربية، فهناك تاريخ من المسلسلات الدرامية المقاومة كـ “الروح”، “الفدائي” بجزأيه، “حساب مفتوح”، وبعدها مسلسل “بوابة السماء” بجزأيه أيضاً، وغيرها من أعمال تتناول جميعها المقاومة الفلسطينية وتصدر معاناة الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وغزة، أو في الشتات، لكن مع كل ما قُدّم من أعمال درامية تناولت مفهوم الأرض، سواء من حيث مبدأ المقاومة، أم من حيث الانتصارات التي حقّقها الشعبان السوري والفلسطيني في نضالهما ضد المحتل، يبقى السؤال قائماً: هل ارتقت الدراما بكل ما قدمته عبر تاريخها إلى مستوى البطولات والتضحيات التي قُدّمت؟