مجلة البعث الأسبوعية

مختبرات أوكرانيا البيولوجية.. لن تغفر لأوروبا خطاياها

البعث الأسبوعية-علي اليوسف

منذ اليوم الأول للعملية العسكرية الخاصة للجيش الروسي في أوكرانيا، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين إن أحد أهم أهداف هذه العملية هو تجريد أوكرانيا من أسلحتها، وحينها اعتقد العالم أن تلك الأسلحة هي ما يعرف بالطائرات والصواريخ وغيرهما من الأسلحة التقليدية، ولكن كشفت مجريات المعارك ما كان يقصده الرئيس الروسي حين تم الاعلان وبالوثائق عن عدد من المختبرات البيولوجية السرية التي استحدثت من قبل الولايات المتحدة وباقي حلفائها والتي كان سيتم استخدامها في حروب ما بعد الجيل الخامس، بمعنى استخدامها في حروب الفيروسات.

لقد كشفت الوثائق التي حصلت عليها القوات الروسية من تلك المختبرات طبيعة هذه الأسلحة ونوعيتها، والأهم خطرها القاتل على الكرة الأرضية وقاطنيها. صحيح أن الولايات المتحدة نفت ارتباطها ودعمها وتمويلها لهذه المختبرات، إلا أن الوثائق التي عرضت روسيا جزء منها لا يدع مجال للشك أن تلك المختبرات كانت برعاية أمريكية خالصة، لأسباب منطقية منها أن هذه المختبرات كانت تحاط بسرية الإنشاء، وسرية التجارب، وسرية الأنشطة التي تمارسها، بالاضافة إلى عدم وجود تقارير رسمية عن عمل هذه المختبرات، وغياب المعلومات عن منظمة الأسلحة الكيميائية، التي ينص ميثاقها التأسيسي-  آذار 1975 – في الفقرة الأولى من مادته السابعة: ” لا يمكن امتلاك الأسلحة البيولوجية تحت أي ظرف”، كما أن الفقرة الثالثة من ذات المادة تنص على : “لا تنقل أو تساعد بأي طريقة أو تشجع أو تحث أي طرف آخر على امتلاك الأسلحة البيولوجية”. وما دامت الولايات المتحدة الأمريكية و أوكرانيا لم تلتزمان في بياناتهما السنوية التي يجب تقديمها للمنظمة عن الإفصاح عن هذه المختبرات وأنشطتها واللقاحات التي تتضمنه والأمراض والأوبئة التي تتطور بها، فهذا يعني أنهما المعنيتين مباشرة بهذه المختبرات.

كما أن الانكار الأمريكي بعدم علمها بهذه المختبرات، ومن ثم التنكر لعملها وتمويلها، يخالف المعلومات المؤكدة التي تفيد بأن أمريكا تنفق سنوياً ما يقارب من 13 مليار دولار في تمويل مختبراتها في أوكرانيا فقط،  وهو ما أكدته نائب وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند خلال جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ الأميركي، حيث أقرت بالقول: “إدارة بايدن تمول بالفعل سلسلة كاملة من المختبرات البيولوجية في أوكرانيا، وإن محتوياتها خطيرة جداً إلى درجة تشعر المسؤولين الأمريكيين بقلق عميق من أن تقع هذه المواد في أيدي الجيش الروسي”.

وما دامت وزارة الدفاع الروسية أكدت في بيان رسمي بداية آذار الجاري عن اكتشافها لمعلومات من أحد المخابر يتضمن “انتقال فيروس إنفلونزا الطيور شديد العدوى من خلال الطيور المهاجرة، إضافة إلى مشاريع أخرى، مثل مسببات الأمراض كالبكتيريا والفيروسات التي يمكن أن تنتقل من الخفافيش إلى البشر”، فهذا يعني أنه من المنطقي جداً أن أوكرانيا ليست البلد الوحيد القريب من روسيا الذي يتضمن مختبرات سرية ، بل من المرجح وجود مخابر أخرى في كثير من الدول مثل جوروجيا وبولندا ودول البلطيق. وهذا ما يتناغم مع وزارة الخارجية الصينية التي تحدثت عن وجود أكثر من 366 مخبر على مستوى 30 دولة تمولهم وتديرهم الولايات المتحدة وتمارس فيها أفعال غير شرعية.

أمام هذه المعطيات والوثائق الهامة التي كشفتها روسيا، يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية فقدت عامل تفوقها العسكري وقدرتها على حسم المعارك العسكرية المباشرة، لهذا نراها تلجأ الى حشد الدعم لـ أوكرانيا “الضحية” التي استخدمت أراضيها لوسائل وأدوات صراع مميتة لهدف أوحد هو الحفاظ على هيمنتها على النظام الدولي. ولعل إقامة مثل هذه المختبرات وتمويلها بهذا الكم من الأموال، فهو يعود لرغبة الولايات المتحدة الأمريكية بعدم الخضوع للقانون الدولي وآليات رقابته ومحاسبته، وعدم تحمل أي مسؤولية دولية تدين أفعالها الإجرامية، ورغبتها بتهديد أمن خصومها – روسيا والصين-  دون أن يكون لها حاجة للتهديد بالقوة العسكرية، ولهذا السبب تحديداً يمكن تفسير هجومها الشرس اقتصادياً واعلامياً ضد روسيا.

بكل الأحوال تمتلك روسيا والصين معاً وثائق رسمية، بما في ذلك وثيقة تعود لعام 2016 تؤكد تمويل البنتاغون لعدد من المختبرات التي أطلق منها فيروس كوفيد 19، ولعل إصرار الولايات المتحدة على “تجنيس” وباء كورونا ما هو إلا للهروب من مسؤولية نشر هذا الوباء، واحراج الصين لتعطيل نموها الاقتصادي. وحتى تضع الحرب في أوكرانيا أوزارها، ستبقى الدول الأوروبية خلف الأكاذيب الأمريكية في صراعها ضد روسيا، لكن سيأتي ذاك اليوم الذي سيعترف النظام السياسي والأمني الأوروبي بفضل الجيش الروسي في إيقاف هذه المختبرات، وحينها لن ينفع أوروبا وغيرها “غفران الخطايا”.