التوازن والتكامل في معرض “فراشة من حديد”
كما قال نزار قباني عن شهر آذار “كان الربيع يستعد لفتح حقائبه الخضراء”، كانت مجموعة جمعية جذور تحتفي بشهر آذار الذي ارتبط بالمرأة بمعرض جماعي في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة)، حمل عنواناً مثيراً “فراشة من حديد”، فطالما كانت الفراشة ترفرف بألوانها الزاهية وتتراقص مع النسمات العليلة، لكنها من وجه آخر تكون صلبة كالحديد، هذا ما قصدته جمعية جذور وما عبّرت عنه ألوان الربيع المنتثرة على فضاءات اللوحات وخطوطها بأساليب مختلفة، بين التعبيرية والرمزية والتجريدية، والتي تقاطعت في بعض زواياها برؤى بعض الفنانين بحضور الرجل، وخلق حالة التوازن الإيجابي بين الرجل والمرأة التي تغني المجتمع.
ضمّ المعرض مشاركة ستة فنانين وفنانات بإشراف الفنانة ليلى الأسطة، التي تحدثت عن المرأة السورية التي تخطّت كل الصعاب وبنت لنفسها حياة ثانية بروح جديدة بعد تعرضها لشدائد نتيجة الحرب الظالمة على سورية، فـ”فراشة من حديد”، هي الأنثى التي لا تتخلى عن رقتها وأنوثتها، إلا أنها أصبحت صلبة لقسوة المواقف التي واجهتها.
تزهر بإنتاجها
أما لوحتها الأساسية فكانت بتقنية “الرولييف” النحت البارز، إضافة إلى تقنيات مختلفة بمواد طبيعية، لوجه المرأة معصوبة العينين بالكولاج بألوان الإكليريك والزيتي، لتومئ بأن المرأة التي لا تفكر ولا تنتج هي امرأة لا تزهر، أما باقي لوحاتها فدارت ضمن سلسلة تكيّف المرأة مع الحياة من خلال رموز ودلالات المفاتيح والأقنعة وأحجار الشطرنج. كما استطاعت أن تنتصر بدلالة القلعة مع وجود جناح الفراشة في آخر لوحة.
التعبيرية الرومانسية
في حين أغرى عنوان المعرض الفنانة ربى مروان بالمشاركة، لأن المرأة حديدية بتحمّلها ضغوط الحياة وأعباء الأسرة، فرسمت بمسار جديد أربع لوحات تعبّر عن حالة من الحالات التي تمرّ بها المرأة معتمدة على البورتريه، متجاوزة التأطير بمدرسة معيّنة ماضية باتجاه التعبيرية الرومانسية من منظور الحداثة، وكما ذكرت فاللوحة تخضع للتطور مثل العلم، فعبّرت في الأولى عن حالة التعب بالألوان الترابية التي تجسّد المرأة بارتباطها بالأرض والوطن والطبيعة، وأقحمت اللون الذهبي لقدسية المرأة مقابل اللون الأورانج الذي يمنحها طاقة الحياة، أما التركواز فيدلّ من رؤيتها على التوازن الداخلي والهدوء الذي تشعر به المرأة، بينما اللون الأسود في اللوحة الثانية فدلّ على حزن أم الشهيد أو زوجته أو ابنته.
وتابعت إلى حالة الحلم اللاوعي بخلق حالة التساؤل في اللوحة التي تومئ إليها بإشارة أصابعها، ضمن الطرح الجديد الذي تشتغل عليه بحالة الحلم والسكينة، وتمتد الحالات إلى الحالة الرابعة حلم الفتيات بالعيش بحالة رفاهية كتناقضات بصور بصرية تعكس الاختلاف بين الأجيال والمراحل الزمنية التي تعيشها المرأة.
المرأة الفلسطينية والعودة
ولم يغب المفتاح الكبير للبيت الفلسطيني الذي يشغل حيزاً من لوحة الفنانة رندة تفاحة بجانب عدد من القضبان، التي لم تستطع أن تخفي ملامح التراث الفلسطيني من خلال انسدال الأقمشة المزدانة بخطوط التطريز الفلسطيني، دلالة على المرأة المقاومة التي تمثل الجزء الحديدي من الفراشة، المرأة الفلسطينية ودورها بالمقاومة، وتابعت تفاحة بأن لوحاتها خدمت موضوع المقاومة والتمسّك بالأرض، وابتعدت عن تفاصيل الوجوه وعبّرت عن حالات إنسانية بحركات وإيماءات تنمّ عن مسارات انطباعية.
ماكينة الخياطة
وترى الفنانة رولا نويلاتي أن الأنثى لها الدور الأكبر في الحياة راسمة بالخط واللون حالة التوازن بين الواقعية والحلم بين أسرتها وكيانها وتطلعاتها، من خلال لوحات عدة تميّزت منها لوحة المرأة العاملة التي شغلت فيها ماكينة الخياطة حيزاً من فضاء اللوحة مع المرآة و”المانيكان” والخيطان، تتكامل مع الشرقيات ومفردات التراث جسّدتها بأسلوب التكعيبيات والتركيز على التفاصيل، وتطرقت في لوحة أخرى إلى حالة التوازن بين المرأة والرجل المكملة لبعضهما من خلال لوحة الحصان التي ترمز إلى مساندة الرجل للمرأة.
الواقعية السريالية
الطريق إلى النور لوحة الفنان بسام الحجلي التي اختزلت مشهدية الفرح بزفاف الأنثى، وبقراءات بعيدة تشير إلى النور الصوفي أو الروحاني، هي من مجموعة جدليات تعبّر عن حالة دعم الرجل للمرأة التي تخلق حالة توازن بالمجتمع، مستخدماً الألوان الزيتية والرسم بالسكين ضمن تجربته بالواقعية السريالية بحالة حلم بين التعبيرية والرمزية.
نشيد البعث
كما حفل المعرض بتشكيلات جديدة للفنان بشير بشير تتداخل فيها التقسيمات الهندسية بالخط الأسود مع تشكيلات لونية، تكمل سمفونية الحروفية غير المقروءة مع هياكل، ويوحي اللون الأحمر بحضور الأنثى القويّ، وقد خصّ إحدى لوحاته بهامش خطي باللون الأسود لنشيد البعث العربي الاشتراكي “ياشباب العُرب هيا”.
ملده شويكاني