بند اقتصاد الضرورة يفرض إيقاعه على إدارة الاستيراد تحت ضغط حاجة السوق ((المزنوق))!
البعث الأسبوعية – علي بلال قاسم
فرضت الأزمة تغييراً مهماً بأولويات التجارة الخارجية تمثلت بالانتقال من تسهيلها إلى إدارتها، على قاعدة إعطاء الأولويات في المزايا والتسهيلات لتأمين متطلبات الإنتاج، بالتوازي مع تأمين السلع والمواد غير المنتجة محلية، ريثما تتوضح معالم التوجهات التي لا يتوقف الحديث عنها ومفادها “إحلال بدائل المستوردات”.
ولتحقيق أكثر من هدف في نفس الوقت كان الاهتمام منصباً على تكامل منح إجازات الاستيراد “حتى ولو تحت ضغط الحاجة” مع أولوية اقتصادية أساسية ترتبط بالسياسة النقدية وهي استقرار سعر الصرف وتعزيز موقع المصرف المركزي من القطع الأجنبي وحماية الليرة، في هذا الإطار تأتي إدارة سياسة الحكومة تجاه التجارة الخارجية لتخدم زيادة القدرة الإنتاجية وخاصةً التصديرية وإدارة تدفق المواد إلى السوق ووفق معايير العرض والطلب.
“مجبراً لا بطل “
عبر سنوات كان الاقتصاد السوري “مجبراً لا بطل ” على توطين نهج ترشيد الاستيراد الوارد في الدليل التطبيقي لمنح موافقات إجازات الاستيراد والمتضمن المواد المسموح استيرادها، وهي المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي بنسبة 75 بالمئة منه والباقي للمواد الأساسية التي لا تنتج محلياً، بالإضافة إلى الأدوية، رغم أن مسؤولي وزارة الاقتصاد لا ينفكون عن تأكيد مراجعة هذا الدليل سنوياً مرات عدة بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية – وفق أحدث ما حرر عن معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية بسام حيدر – الذي بين أن سياسة ترشيد الاستيراد التي تنتهجها الوزارة تحقق أهدافاً أهمها دعم وتشجيع الإنتاج المحلي وتطويره والمساهمة في الحد من ارتفاع سعر الصرف واستخدام القطع الأجنبي في مجالات أكثر ضرورة.
وإذا كان موضوع استيراد القمح والبطاطا والمواد النفطية الشغل الشاغل، فإن إبقاء باب الاستيراد مشرعاً للقطاعين العام والخاص من تجار وصناعيين وأصحاب مطاحن، يندرج تحت بند اقتصاد الضرورة بالتوازي مع دور القطاع العام المتمثل في المؤسسة العامة للحبوب.
لا تراجع بنيوي
ومع أن ثمة مراقبون يرون بأن سياسة التجارة الخارجية جاءت لتعكس احتياجات الاقتصاد خلال الأزمة، إلا أنها لا تعبر عن تراجع بنيوي عن سياسة تسهيل التجارة الخارجية وتبسيط الإجراءات، وهذا التطور لإجراءات إدارة الاستيراد يحكمه – كما يقول أحد المحللين الاقتصاديين – اليوم عاملين أساسيين الأول: إدارة الطلب على القطع الأجنبي، فأحد أهم مصادر الطلب على القطع الأجنبي هو الاستيراد والذي يسبب ضغطاً صاعداً على الليرة السورية، لاسيما أن حصول المستورد على حق استيراد كميات كبيرة مسبقاً عبر الإجازة، يعني طلباً كامناً على القطع الأجنبي يمكن ترجمته طلباً آنياً على القطع الأجنبي بقيم كبيرة، مشكلاً عامل مضاربة إضافي على القطع الأجنبي، وهنا لا تخف وزارة الاقتصاد استبسالها على مستوى ترشيد موافقات وإجازات الاستيراد من حيث القيمة لمستوى أدنى بشكل عام ،إلا إذا كان الأمر استثنائياً وملحاً – كما هو حال القمح والبطاطا والمشتقات النفطية اليوم – .
أدوات ذكية
في هذا الإطار قامت وزارة الاقتصاد بتطوير عدد من الأدوات والسياسات الذكية – وفق تعبيرها – لا تعتمد في جزء كبير منها على التعرفة الجمركية كأداة حمائية خاصة في المرحلة الحالية، منها لجنة حماية الإنتاج المحلي بالاعتماد على ضبط دخول السلع المنافسة عبر اعتماد أدوات التحقق من صحة المنشأ للسلع والبضائع التي يتم استيرادها ومن المواصفة الوطنية السورية وقواعد عدم الإغراق، وهي أدوات تعمل كمنظومة إنذار مبكر تدعم السياسات الحكومية لتعكس أولوية الحكومة في حماية ودعم الإنتاج المحلي الصناعي والزراعي.
وهناك خطوة أخرى تتعلق بتشكيل لجنة فنية على مستوى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وأخرى على مستوى الاتحادات، تستهدف تحسين كفاءة إدارة التجارة الخارجية وإجراءات منح إجازات وموافقات الاستيراد ووضع معايير للمواد والسلع ذات الأولوية للاستيراد وابتكار وتطوير أدوات التدخل والارتقاء بالتجارة الخارجية بهدف تعزيز نمو وحماية الإنتاج المحلي وتعزيز القدرات التصديرية الوطنية وزيادة مساهمة القطاع التصديري في الناتج المحلي الإجمالي، عبر ضمان إعطاء الأولوية في منح الإجازة أو الموافقة للمواد الأولية والسلع الوسيطة (كالخيوط والأقمشة بأنواعها، المواد الكيميائية اللازمة للصناعة، الأعلاف، المواد الخام، السكر الخام، الزيت الخام، مكونات الإنتاج الدوائي، وغيرها من المواد الأولية اللازمة للإنتاج)، ما لم يتم إنتاجها محلياً وبكفاية وذلك بهدف إعطاء مرونة أكثر لاحتياجات الإنتاج المحلي من الواردات، بالتزامن مع إعطاء الأولوية للسلع والمواد الأساسية (الأدوية والمواد الغذائية الأساسية التي لا يتم إنتاجها محلياً) ووفق الكميات التي تكفي حاجة السوق ولا تشكل مضاربة على السلعة أو على سعر الصرف.
وللعلم تمنح الموافقات والإجازات لباقي السلع ووفق أحكام التجارة الخارجية لضمان توفر كافة أنواع السلع في الأسواق المحلية ولكن وفق كميات محددة لتخفيف الطلب على القطع بهدف الاستيراد وتشجيعاً للإنتاج المحلي؛ تخصص هذه المنتجات بكميات تحقق الحد الأدنى من الجدوى التجارية للمستورد وحسب أهمية المادة في السوق وحساسيتها تجاه المنافسة مع الإنتاج المحلي، في وقت يتم التريث بمنح موافقات استيراد من بعض بلدان منطقة اتفاقية التجارة العربية الحرة تجنباً لدخول بضائع من مصادر غير عربية تستحق الرسوم الجمركية على أنها ذات منشأ عربي تهرباً من الرسوم الجمركية؛ والهدف هنا لم يكن بوارد الإضرار بمصالح المزارع والصناعي العربي الذي يحقق شروط المنشأ وإنما مبني على تحقيق أولوية حماية الإنتاج السوري وتحقيق موارد متزايدة للخزينة العامة للدولة.
وتؤكد مصادر وزارة الاقتصاد حرصها على استكمال البنى التحتية لوحدة تحليل البيانات والتي يشترك فيها ممثلين عن مديرية الجمارك العامة ومصرف سورية المركزي لتحقيق التشبيك المعلوماتي في إدارة التجارة الخارجية لجهة استكمال حلقات منح الموافقة على طلب إجازة وموافقة الاستيراد، تمويل إجازة وموافقة الاستيراد، تنفيذ إجازة أو موافقة الاستيراد.
بمعية الاسترشاد
هنا لا يمكن تحييد تعويل أصحاب القرار الاقتصادي على لجنة تحديد الأسعار الاسترشادية للصادرات السورية، والتي من شأنها وضع رقم تصديري قريب من القيمة الحقيقية للصادرات وتحقيق عائدات اضافية لمصرف سورية المركزي من القطع الأجنبي عبر تعهد قطع التصدير الذي ينص على بيع 50% من قيمة الصادرات إلى مصرف سورية المركزي وفق وسطي أسعار الصرف لدى المصارف وتستكمل دراسة الأسعار التأشيرية للصادرات لتحقيق أثر متماثل في باقي الحزم السلعية، في وقت تم البدء بتطوير الأسعار الاسترشادية للمستوردات أداةً لتأمين المواد الأساسية لحلقات الإنتاج التي لا يتم تأمينها حالياً محلياً، لتعزيز حماية الإنتاج المحلي، في وقت يمكن استخدام هذه الأداة في حماية العديد من السلع الوطنية .