خدعة الولايات المتحدة الشريرة
عناية ناصر
كانت العلاقة الوثيقة بين الصين وروسيا شوكة في الخاصرة الأمريكية، وخاصة على خلفية الأزمة الأوكرانية الحالية. ومع تأجيج الموقف، يبدو بشكل جليّ أن واشنطن تعمل على استغلال الصراع الروسي الأوكراني لدقّ إسفين بين بكين وموسكو، حيث قام كبار المسؤولين في البيت الأبيض باتهام الصين في مناسبات عدة بعدم ممارسة ضغوط كافية على روسيا لوقف العملية العسكرية في أوكرانيا. وكما قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، قبل الاجتماع الافتراضي للرئيس الأمريكي جو بايدن مع الرئيس الصيني شي جين بينغ إن واشنطن “ستتخذ إجراءات” تجاه أي دعم تقدمه بكين لروسيا ضد أوكرانيا، وحثّ بكين على تحمّل “مسؤولية استخدام نفوذها والدفاع عن القواعد والمبادئ الدولية التي تدّعي دعمها”، حسب زعمه.
من ناحية أخرى، ظهر عدد كبير من تقارير وتحليلات وسائل الإعلام الغربية لإثارة الضجيج حول كيف أن علاقات الصين مع روسيا جعلت الصين “غير مريحة” و”محرجة”، وتحذّر من أن بكين تخاطر بالعزلة في حال لم تبتعد عن موسكو!.
لقد كان توسّع الناتو باتجاه الشرق السبب الأساسي للغضب الروسي والعملية العسكرية في أوكرانيا، لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تطفئ النار التي أشعلتها في أوكرانيا، ومن السخرية أنها تطالب بكين بالقيام بهذه المهمة على حساب الإضرار بالعلاقات الصينية الروسية، وهذا الأمر غير معقول، فمن خلال الضغط على الصين للتنديد بروسيا ومطالبة الصين بتحمّل المسؤولية عن الخطأ الاستراتيجي الفادح الذي ارتكبته الولايات المتحدة والناتو في بناء ما يُسمّى الأمن الأوروبي، تظهر نية واشنطن في زرع الفتنة بين الصين وروسيا، فروسيا قوة كبرى مستقلة، وليس لدى الصين القدرة على التأثير في قرار روسيا بشأن قضية أوكرانيا التي تعتبرها مسألة “حياة أو موت”. وإذا ضغطت الصين على روسيا حقاً بطريقة لا تتماشى مع شراكة التنسيق والتعاون الاستراتيجية الشاملة بينهما، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى تقويض العلاقات الصينية الروسية وتقويض الثقة المتبادلة، الأمر الذي سيكون بمثابة خسارة استراتيجية كبيرة لكلا الجانبين، وهذا ما تتوق إليه الولايات المتحدة وتسعد لرؤيته.
تدرك واشنطن أن الصين لا تستطيع التأثير على روسيا أو إجبارها على فعل أي شيء، لكنها تعتبر الأزمة الأوكرانية فرصة جيدة لمحاولة الإضرار بالعلاقة بين البلدين. فكلما زاد الخلاف الذي يمكن لواشنطن أن تزرعه بين الصين وروسيا، كلما زاد انسجامه مع المصالح الأمريكية، لكن لا يمكن لبكين وموسكو السماح لمثل هذه الخدعة الشريرة بالنجاح.
على عكس الأتباع الصغار الذين يمكن لواشنطن أن تتلاعب بهم متى شاءت، فإن كلاً من الصين وروسيا قوتان عظميان ذات سيادة، إضافة إلى ذلك، حافظت الصين على موقف ثابت بشأن قضية أوكرانيا، مؤكدةً ضرورة احترام المخاوف والمصالح الأمنية لجميع الأطراف ودعمها، وموقفها هذا من منطلق مصالحها ومصالح المنطقة، فبكين لن تعزف على وتر الولايات المتحدة ولن تضحي بعلاقاتها مع روسيا لتلبية مطالب الولايات المتحدة.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أنه بغضّ النظر عن كيفية تطور الأزمة الأوكرانية ومدى استهداف روسيا من قبل الولايات المتحدة الآن، لا تزال واشنطن تنظر إلى الصين على أنها أكبر منافس استراتيجي، وعلى الصين أن تضع هذا في اعتبارها طوال الوقت، وألا تُمنح الولايات المتحدة أي فرصة لدق إسفين في العلاقات الصينية الروسية.
لقد أساء الغرب تفسير العلاقة بين الصين وروسيا لفترة طويلة، معتقداً أنها تستند إلى النفعية، ويمكن أن تتمزق بسهولة. لكن الحقيقة هي أن شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا صمدت أمام اختبار الزمن وهي قوية للغاية، فهي الأساس الاستراتيجي الدبلوماسي الأكثر أهمية واستقراراً للصين والتي لا يمكن إلحاق الضرر بها.