برسم طلبة طب الأسنان.. المهنة الأخطر في العالم!!
دمشق – لينا عدره
“60% من أطباء الأسنان يشعرون بآلام عضلية هيكلية خاصة في منطقة أسفل الظهر”، تلك خلاصة إحصائيةٌ توصل إليها الدكتور عمار مشلح، الأستاذ في كلية طب الأسنان، جامعة دمشق، خلال بحثٍ أعده منذ عدة سنوات، وأعاد التذكير به قبل أيام، ضمن الملتقى الثامن لكلية طب الأسنان الذي عُقِدَ في جامعة حلب، في 22 و24 آذار الحالي، وذلك في ضوء تفاقم معاناة أطباء الأسنان نتيجة الظروف الحالية، موضحاً أن المخاطر باتت تتعدى ما هو متعارف عليه لتشمل عمل الطبيب في بيئة غير آمنة، وأن الهدف من هذا التحذير هو تسليط الضوء على الصحة العامة والمهنية للطلاب والأطباء، “وليس تخويف الطلاب و”تكريههم بالمهنة”، على حدِّ تعبيره.
وقال الدكتور مشلح في حديث لـ “البعث” إن فكرة المحاضرة استُمِدَت من عدة أبحاث، كان آخرها بحثٌ أعدته مجلةٌ عالمية اختارت خلاله 27 مهنة ودرست مخاطر العمل فيها، لتتوصل لنتيجةٍ مفادها أن طب الأسنان هو الأخطر عالمياً! لافتاً إلى أن الغالبية تعتقد أن الخطر على طبيب الأسنان إنما يتأتى فقط من المخاطر الإنتانية، كالتهاب الكبد الإنتاني الوبائي الذي تكفي وخزة واحدة بإبرة ملوثة لنقله للطبيب.. إلا أن توفر لقاح آمن ومجاني وفعال للطلاب والأطباء وعلى ثلاث جرعات.. ساهم بضبطه، وهو ما تحرص الجامعات الحكومية على توفيره للطلاب في السنة الثالثة.
وهناك أيضاً – يتابع د. مشلح – “التهاب الكبد C” الذي تكمن خطورته بعدم اكتشاف لقاح له حتى الآن، كما هناك الإيدز الذي لا يمكن أن نقول أنه غير موجود، إلا أن إتباع الإجراءات والتدابير الوقائية، يساهم حكماً بالحماية منه، إضافةً لأمراض أخرى قد تنتقل عن طريق الرذاذ كـ فيروس كورونا، ما دفع بمنظمة الصحة العالمية لإغلاق العيادات السنيىة كونها قد تكون سبباً في انتشاره، قبل أن تعيد السماح بالعمل فيها ضمن شروط، مضيفاً إن “هندسة العمل” هي من ضمن الدروس التي يحرص الأساتذة على تعليمها لطلابهم، أي العمل بهدوء، لأنه أحد أهم الطرق التي توفر الحمايةً لهم ولمرضاهم ومجتمعهم، فالخطأ الأول قد يكون الأخير، خاصةً وأننا كمن يعمل في حقل ألغام.. على حدِّ تعبيره.
.. المخاطر الأخرى التي لا تقل أهمية – يعود د. مشلح إلى الموضوع – هي مخاطر الاضطرابات العضلية الهيكلية التي تصيب الأطباء، لاضطرارهم لاتخاذ وضعيات غير مريحة أثناء العمل، ضمن بيئة عمل ضيقة وغير مريحة تتمثل بـ “إضاءة محدودة وأدوات سريعة جداً، قد تُحدِث أذىً في الخد أو اللسان.. إذا لم ينتبه طبيب الأسنان”، الأمر الذي يدفع به لالتزام وضعيات ترتب إجهادات إضافية على الجهاز العضلي الهيكلي، وتسبب له آلام أسفل الظهر والكتف والمعصم، وهو ما يستوجب منه استخدام تقنية الأيدي الأربعة مع الممرضة، إضافةً لقضاء استراحاتٍ بين المرضى، وتقليل عددهم، واستخدام الكرسي ذي المقعد السرجي، علاوة على ممارسة الرياضة، والمحافظة على وزن مناسب، مع الاهتمام بتناول طعام صحي.
أما المخاطر النفسية، يبين د. مشلح أن شعور التوتر الذي قد ينقله المريض لطبيبه هو الأبرز بينها، وأطباء الأسنان بمجملهم يشكون من أن مهنتهم تزيد توترهم انطلاقاً من حرصهم على تقديم الخدمة الطبية والعلاج بأقل ألم ممكن، مثيراً ما كشفته بعض الدراسات العالمية من أن “أطباء الأسنان هم الأكثر عرضةً للانتحار نتيجة الشدة النفسية، خاصةً وأن معاناتهم مستمرة حتى بعد خروج المريض وانتهاء العمل!!”..
أمر آخر مهم أشار إليه د. مشلح ويتمثل بمخاطر التحسس من القفازات، ومواد أخرى في العيادة، من دون إغفال مخاطر الأصوات وانعكاساتها على السمع، وهو ما يفسر حدوث الطنين لدى الكثير من أطباء الأسنان، أو التناقص في قدرتهم السمعية، وأحياناً فقدان السمع! وأوضح أن طبيعة عمل طبيب الأسنان مختلفة عن غيرها من الاختصاصات، فهي لا تتوقف على معاينة وكتابة وصفة طبية، وأن خصوصيتها تكمن في كونها أعمالاً جراحية، إضافةً لمخاطر الأجهزة التي تصدر أصوات عالية كأجهزة التوربين والتفريغ التي تسحب المفرزات، وأجهزة التقليح، ليتمثل الخطر الأكبر بأشعة اكس التي تُعتبَر عين الطبيب الثالثة، إلا أنها – ورغم أهميتها – خطيرة جداً، والسبب أن أذاها تراكمي، ما يحتم على الطبيب وضع خطة معالجة، تجنبه طلب صورة شعاعية، إلا عند الضرورة.. مستطرداً أنهم، ومذ كانوا طلاباً، لاحظوا خطرها خاصة على فنيّ الأشعة نتيجة إصابتهم بأورامٍ أدت لوفاتهم، ومخاطر أخرى انخفض خطرها، نتيجة التطور كأبخرة الزئبق.. وأخيراً، وليس آخراً، مخاطر قانونية يرى د. مشلح أن إمكانية تجاوزها كبيرة لأن الأمر يتوقف على أخلاقيات الطبيب التي تعلمها في بيته أولاً وفي جامعته ثانياً، ولأن القاعدة تقول إن “المريض دائماً على حق”، لافتاً إلى أن البعض اليوم يقترح إجراء عقد شفهي أو كتابي بين المريض وطبيبه، إلا أن التزام الطبيب بالجانب الإنساني أولاً، والأخلاقي ثانياً، كفيلٌ بتجنيبه تلك المخاطر.
ختاماً.. يشدد د. مشلح على أن إتباع الإجراءات والتدابير ووسائل الحماية الشخصية كفيلةٌ بحماية الطبيب والطالب من جملة المخاطر، لافتاً إلى أن أهمية تعليم الطلاب كيفية ضبط الإنتان عبر مقررٍ كاملٍ، ليتخرَّج متسلحاً بثقافةٍ طبيةٍ تمكنه من تجنبها.