عشية شهر الخير.. أسعار فلكية وضبوط وهمية وجيب المواطن يلتهب!
لم تكد تقرع طبول الحرب الأوكرانية إلا وكانت طبول تجارنا على أتم الاستعداد للخوض في معركتهم اللامنتهية مع المواطنين المتسائلين عن ماهية “الثأر والعداوة” بين التاجر والمستهلك منذ الأزل البعيد، إذ لم تعد زيادة الأجور والمنح المقدمة أو زيادة تعويضات الراتب تساعد على ردم الهوة الكبيرة بين الدخل والمصروف اليومي، بل باتت الشائعات عن وجود زيادة في الرواتب هماً ثقيلاً مخافة أن تصبح أسعار السلع والمواد التموينية ضرباً من ضروب الخيال أكثر مما هي عليه اليوم، ولم يعد المواطن يكترث بطقوس شهر رمضان الكريم واستعداداته في تخزين العديد من السلع والمواد الغذائية قبل أسبوع من قدومه، ليصبح هاجسه تأمين غذائه بشكل يومي بعيداً عن اللحوم والبيض وغيرها من الكماليات والرفاهيات التي تلاعب بها حيتان السوق دون أدنى تدخل من الجهات المسؤولة، وعجزها الواضح عن حماية المواطن.
حرب نفسية
على الرغم من المحاولات الكثيرة لـ “السورية للتجارة”، والحملات العديدة التي قامت وتقوم بها – حسب تصريحاتها – للتخفيف من الضغوطات التي طالت الحياة المعيشية، إلا أن الواقع ما زال من سيىء لأسوأ، إذ لم تعد تنفع تلك المحاولات الخجولة والاستعراضات الإعلامية في كبح جماح الارتفاعات المتجددة يومياً، لاسيما أن ما يظهر عبر منصات الإعلام لا يشابه الواقع في أغلب الصالات، ناهيك عن أن الأسعار المطروحة في صالات “السورية للتجارة” تختلف عن محال “بيع الجملة” ببضع ليرات لا تحتاج “للتطبيل والتزمير” على صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
وبين احتكار التجار وأصحاب المستودعات للكثير من السلع والمواد الغذائية، وقيام وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بوضعه أرقاماً “إسعافية” لتقديم المواطنين شكواهم على المحال المخالفة لسعر الزيت النباتي وغيره من السلع، لم يسمع أحد عن تقديم أية شكوى إلى مكتب الوزير، أو حتى معالجة شكاوى واردة إلى جمعية حماية المستهلك، بل على العكس، كانت تلك الشكاوى مصدر “دخل غير مشروع” لأصحاب الدوريات من خلال تنبيههم إلى أماكن المخالفات، وبدورهم يتقاضون المعلوم من التجار المخالفين بدلاً من إغلاق محالهم، وهذا ما لمسناه عند محاولتنا تقديم شكاوى عن عدد من المحال التجارية المخالفة بسعر الزيت النباتي وغيره من السلع لنفاجأ في اليوم الثاني بأن السعر تضاعف مع بقاء المحل مفتوحاً على مصراعيه، الأمر الذي يشكك بصدق نوايا حماة المستهلك بحمايتهم بالفعل، أو الانصياع لرغبات جيوبهم “المثقوبة”.
استراتيجية وخطط
ولأن المواطن لم يعد يولي تلك التصريحات انتباهاً، كان عليه إيجاد وسائل تدبيرية للمصروف اليومي، فقبل المضي بقرار الشراء والتسوق لابد من اتخاذ قرارات اقتصادية وإدارية حكيمة توازن بين الدخل والمتطلبات، وإن كانت هذه المعادلة صعبة الحل هذه الأيام حتى مع قرار البحث والتقصي عن أكثر الأسواق الشعبية رخصاً التي هي الأخرى ربطت سعر الخضار والفواكه بتقلبات سعر الصرف والحرب الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية صعوداً لا يقابله هبوط، ليتصدر صفحات التواصل الاجتماعي خلال الأيام السابقة مشهد النسوة الباحثات عن الخضار “البايتة” الموضوعة بجانب المحال للتخلص منها، الأمر الذي ينبئ بكوارث غذائية اقتصادية اجتماعية في المستقبل القريب في حال عدم تحرك الجهات الرقابية بشكل جدي، خاصة خلال شهر رمضان الذي يحتاج إلى رؤية وخطط واستراتيجيات في ميزان النفقة الشهرية لتخطّيه بأقل الخسائر الممكنة، وإلى تدخل إيجابي من قبل الدولة بأية صيغة مناسبة تحقق المطالب المعيشية، والحد من ارتفاع الأسعار الذي أفرغ جيوب المواطنين.
مخاطر اجتماعية
لم يخف أهل الخبرة ارتفاع مستوى الجرائم بأنواعها خلال العامين الماضيين، ليصب هدف تلك الجرائم في الحصول على المال لضمان حياة كريمة، ويؤكد المحامي محمد السيد أن الفجوة الطبقية الحاصلة في مجتمعنا أدت إلى تفاقم الجرائم، ومراودة الشبان المقبلين على الحياة أفكار القتل والسرقة، الأمر الذي ينفي أن الجرائم موجودة فقط عند أرباب السوابق، لننتقل للأسف اليوم إلى مجتمع تحكمه المخاطر نتيجة اتساع دائرة الحرمان والفقر، وتحكّم مجموعة من حيتان السوق بالمواطنين تحت حجج وهمية يبتكرونها مع أي طارئ يحصل لأية دولة قريبة أو بعيدة، ناهيك عن شمّاعة الأزمة التي لا يريدون التخلّص منها طالما أن في وجودها الخير الوفير لهم، والفقر المدقع لأغلب طبقات المجتمع، مع انتشار لجيش من العاطلين عن العمل، وسعيهم للهجرة خارج البلد وسط معوقات كثيرة في الحصول على جواز السفر أيضاً، إضافة إلى ذوبان دخل المواطن أمام الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الحياتية والخدمات الضرورية، وانفلات السوق من كل الضوابط، والتضخم الجامح والانكماش والكساد بسبب ارتفاع أسعار الصرف، وغيرها من الكوارث الاقتصادية التي تمهّد الطريق للسرقات والقتل بغية العيش فقط لا الرخاء والثروة.
تضخم مخيف
ضبوط وهمية وأرقام فلكية يطرحها التجار للسلع عشية قدوم شهر رمضان الكريم، إذ يرى الباحث الاقتصادي أيمن الصالح أن اقتصادنا اليوم يعيش في أدنى مواقعه الإنتاجية، لاسيما أن الصناعة الوطنية تعاني من ركود في أغلب مواقعها وسط افتقار المعامل والمصانع لأدنى مقومات الإنتاج من طاقة ومواد أولية نتيجة العقوبات الاقتصادية الخارجية، وسوء الإدارة الحكومية التي أثبتت فشلاً ذريعاً في الكثير من المطارح، مع الإشارة إلى أن بعض المواد يتم استيرادها، وهذه العملية تتأثر أيضاً بسعر أجور النقل، الأمر الذي ينعكس على سعرها في السوق، إضافة إلى أن احتكار بعض التجار لأنواع معينة من المواد سواء كانت غذائية أو غيرها أدى إلى ارتفاع أسعارها لأنهم يوهمون المواطن أنها مفقودة، في حين أنها مكدسة في مستودعاتهم لا يزيحون الستار عنها إلا بعد زيادة سعرها بحجج وهمية ليس لها أساس من الصحة، ويؤكد الصالح الغياب الكبير للربط والضبط بين أسباب الغلاء والضبوط الحقيقية للمتلاعبين من التجار الجشعين ممن أوصلوا اقتصادنا إلى تضخم مخيف، متذرعين بسعر الصرف، وانخفاض قيمة الليرة السورية الذي أثر بشكل كبير على عملية التسعير، فالعملة هي سلعة عليها عرض وطلب، لكن هذا لا يبرر أبداً أن يتلاعب التجار بقوت المواطن ولقمة عيشه.
معايير قديمة!
وأكد الخبير الاقتصادي عدم وجود مرونة من قبل المعنيين لمواجهة هذا التباين في الأسعار، إذ ما زالت المقاييس والأدوات قديمة في التصدي لهذه الظاهرة، إلى جانب ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية التي هي المسؤول الأول والأخير عن ضبط الأسعار وتوحيدها في كل مكان، لاسيما أن هذه مهمتها وواجبها في حماية المواطن من سطوة التاجر، وهذا التحرك يجب أن يكون بشكل سريع قبل أن تتدحرج كرة الثلج وتكبر، وعندها ستصعب السيطرة على الأمر!.
ميس بركات