في الأوساط الوظيفية ..محاولات مالية لترميم الحياة المعيشية وتأمين أبسط المستلزمات
دمشق – البعث الأسبوعية
لم تكن هدى هذا الصباح كعادتها منكبة على عملها، بل شاردة في اغلب الاوقات و كلما سنحت لها الفرصة اخرجت ورقة وقلم لتكتب قائمة طويلة تحذف وتزيد عليها حتى تصل الى قناعة بما كتبت بعد حساب تكلفة تلك القائمة، وهاهي الان تحسب كيف يمكنها الاستفادة من تلك الجمعية التي استلمتها بعد تسعة اشهر من اشتراكها بها، لتتدبر شؤونها على اكمل وجه،وعند سؤالها عن مبرر دخولها بهذه الجمعيات أكدت أن راتبها وحده لايكفي ولا يسد كل الالتزامات المالية بشكل عام، لذلك تشارك بها مع زملائها وجاراتها، حيث تشترط أن يكون دورها بفترات معينة تجتمع فيها أكثر من مناسبة مثل متطلبات رمضان والعيد ،وغيرها من لأعباء.
الهروب من القرض
وتؤكد هدى وزملائها أن مع ازدياد ضغوطات الحياة المالية، يلجأ الكثيرين من الناس عامة والموظفين خصوصاً إلى اعتماد مبدأ الجمعيات الشهرية التي يتفق فيها مجموعة من الأشخاص على جمع مبلغ مالي شهري، وإعطائه إلى احدهم كل شهر حسب الترتيب او بالقرعة التي يتفق عليها، ويتولى أمر الجمع وترتيب الأدوار شخص يسمى رئيس الجمعية،ثم يتم تدوير هذه الطريقة حتى يحصل جميع المشاركين على المبلغ المتفق عليه من دون أن يترتب على ذلك أية فوائد مالية، واعتبرت الجمعيات المالية حلا مثاليا للكثير منهم للتغلب على مشاكلهم المادية وصعوبات الحياة وباتت تنافس البنوك التي يراها البعض تغالي في فرض الفوائد على عملائها، في حين تخلو الجمعية التي يتم تنظيمها بين الزملاء من الفوائد والأرباح.
بداية الفكرة
يعود تاريخ فكرة “الجمعيات” بين الأفراد إلى القرن 18 عندما كانت الحاجة إلى التمويل هي الباعث الرئيس وراء نشأة الحركة التعاونية في العالم على يد الألماني فردريش فلهلمرايفيزن،حين واجه المزارعون في ذلك الوقت صعوبة في الحصول على القروض، وقد لجأ “فردريش” إلى تأسيس جمعية ائتمانية تعاونية لتكون هنا كمساعدة ذاتية من خلال التعاون. ولكن اليوم أصبحت أكثر يسراً وسهولة، فانتشرت بين الموظفين في العمل، أو بين الجارات في الحي ويتم جمعها وتوزيعها ضمن جلسات نسائية، لتكون البديل الأفضل عن القروض.
الطريقة المثلى
وتشاركنا ميساء ابراهيم رأيها في إقامة الجمعيات، فبعد معاناتها من قرض أخذته من مركز عملها بقسط شهري مرهق وفائدة مضافة إليه، اشتركت بعده بجمعيةلأكثر من سنتين بقسط شهري خمس آلاف، حيث أكدت لنا ان المبلغ الذي حصلت عليه ساعدها في دفع مبلغ اولي لشراء شقة سكنية صغيرة في منطقتها، بعدما عانت طويلاً من الايجار، وتفضل فكرة الجمعيات بقولها هي حل جيد للحصول على مبلغ معقول دون فوائد ليساهم في تحقيق بعض أمانينا،وكما علق عمار العلي “موظف ” انني أفضّل الاشتراك في الجمعيات المالية لأنها الطريقة المثلى للتوفير وإنهاء الالتزامات المالية بعيداً عن القروض ومشاكلها، وأضاف عمار منذ سبع سنوات وأنا أشترك في الجمعيات المالية ولكنني أشترط للدخول في أي جمعية شهرية ألايقل مبلغ الاشتراك عن مئة ألف ليرة سورية وألا يزيد عدد المشاركين فيها عن10مشتركين، ليكون دفعة جيدة لأي عمل أريد القيام به.
شروط صعبة
من الشروط المطلوبة للحصول على قرض ان يكون العامل مثبت لدى الجهة التي يعمل عندها، وهذا الشرط يحرم المتعاقدين بعقود شهرية في اماكن عملهم، فأم محمود اشتكت من عدم قدرتها الحصول على قرض لأنها موظفة بعقد شهري وتجد صعوبة في الحصول على كفلاء يلتزمون معها لثلاثة سنوات او اكثر حسب مدة القرض، وأضافت: “ان الغلاء في الاسعار جعلت الموظفين غير قادرين على توفير المواد الاساسية للمعيشة، رغم أننا موظفين أنا زوجي الا اننا نعمل لتوفير حاجاتنا الاساسية فقط، وبالتالي يبقى ثياب اولادي والمونة من الاشياء المؤجلة دوماً والجمعيات هي الحل البديل الذي ينقذنا في الأعياد والمناسبات، والاشتراك في الجمعية لا يتطلب أية عقود مكتوبة بالعادة ما تكون الثقة بين الأفراد هي العامل الرئيسي للاشتراك فيها”.
وأكد عدد من الموظفين أن الراتب الذي يتقاضونه لا يلبث أن يتلاشى في الأسبوع الأول من استلامه، نظرا للمتطلبات الكثيرة التي لابد من تلبيتها، حيث يقول ماهر شلغين موظف وأب لثلاثة أبناء، وزوجته ربة منزل بأن الالتزامات المالية تشكل عبئاً كبيراً على كاهل رب الأسرة خاصة إذا تزامنت عدد من المناسبات في التوقيت نفسه، فالشهر القادم شهر رمضان وأعياد والراتب لا يلبي جميع الاحتياجات، وهذا يعني السعي للالتزام بجمعية مالية كبيرة .
خطة ناجحة
يرى الدكتور هاني جبر خبير اقتصادي أن الحل الأفضل هو التدبير المنزلي والاقتصار على الحد الأدنى والأساسي من مستلزمات الأسرة، فارتفاع أسعار الخضار والمواد الأساسية جعل الأسرة تقتصر على ما يناسب دخلها، وإلغاء ما يفوق قدرتها الشرائية حتى لو كانت من الأساسيات، لذلك هي بحاجة الى خطط اقتصادية وإدارية تتغلب بها على ضعف الدخل والرواتب والجمعيات الشهرية هي إحدى هذه الحلول، وبذلك تتفوق فكرة الجمعيات على فكرة القروض بعدة عوامل أهمها عدم وجود فائدة تضاف إلى المبلغ وتزيد من قيمة التسديد، فبها تتمكن الاسرة من رسم خطة لعدة أشهر تدفع خلالها مبلغ معين لحين استلامه ليكون دفعة أساسية في شراء ما يلزم الأسرة في الأعياد او المناسبات ، وكما تعد طريقة للادخار الجيد ورسم هدف للاستغلال وتوظيف المبلغ بغاية تساهم في استقرار الشخص ماديا، كجعلها دفعة لشراء شقة أو أثاث او الدخول في مشروع استثماري.