إلى أين يسير العالمْ..؟!
هذا السؤال يؤرقني وكثيرين، وتفاقم أرقي في الأشهر الأخيرة، وقد فنَّدْتُه في عدة أسئلة، حاولت الإجابة عنها، فوجدت نفسي متعثراً أو متردداً في الإجابة، وخطر ببالي أن أستأنس برأي آخرين، وأنا في غمرة تفكيري عثرت في مكتبتي على كتاب قديم فيه مقال بالعنوان نفسه، لكاتب وبرلماني مشهور، كتبه ونشره في شهر حزيران عام 1948، وبعد قراءتي لمقاله وجدت فيه الإجابة التي تقنعني على جميع أسئلتي، فاستأنست بآرائه الخطية وكأنها بمثابة الوجاهية، وهذه هي أسئلتي مرفقة بالإجابة المستنتجة عليها من المقال المذكور نفسه.
السؤال الأساس: إلى أين يسير العالم؟
الجواب: سؤال ليس فيه شيء من الإبهام، فالعالم إنما يسير إلى نتيجة مجهولة المصير، وإلى نهاية محزنة مؤلمة تاعسة، فهو أشبه ما يكون بالبركان الذي تصطرع في صدره القوى، وتضطرم النار، وهو يوشك أن يتفجر، فيودي بكل ما يحيط به، إلى قرار ليس له قرار.
السؤال الأول: لماذا التشاؤم المخيف لدى الكثيرين؟
الجواب: لأن العالم اليوم تطلع عليه شمس شاحبة الوجه، مكفهرة الجبين، عليها علامة صفراء، من الأسى القاتم على إنسانية تعرف كل شيء إلا الخير، وتقول كل شيء، وتعمل كل شيء إلا الحق، ويطغى فيها القوي على الضعيف، والغني على الفقير، والكبير على الصغير، والظلم على العدل، والكفر على الإيمان، والصهيونية على قدسية التاريخ!.
السؤال الثاني: وهل من آفاق لتفاؤل بعد هذا التشاؤم؟
الجواب: من يبصر هذا الإمعان في الباطل، والإغراق في الشر، والتمادي في الجشع، والانحراف عن جادة الصواب، يستطيع الحكم بأن هذا العالم المريض إنما يحفر قبره بيده، ويسعى إلى قتل نفسه بنفسه، وهي حقائق تبدو جلية واضحة لكل من يمعن النظر في هذا الصراع العالمي المخيف.
السؤال الثالث: كيف يُقرأُ الوضع في منطقتنا؟
الجواب: في الشرق الأوسط تدور معركة رهيبة بين العرب الذين يدعمهم الواقع والتاريخ، وكل ما يملكون في حياتهم من حول وطول، وبين اليهود الذين يدعمهم البريطانيون والأمريكان، وكل من يماشيهما في سياسة الظلم والاستعمار، وفي أوروبا معارك صامتة حيناً، وجاهرة حيناً آخر بين الرغبة بالسلام والعمل على تقويض دعائمه، وبين الدول الكبيرة التي تتزعم العالم رغماً عن العالم، تنافس في السياسة والتسلح، لا يقف عنده حدّ، وهيهات أن يقف عنده حدّ.
السؤال الرابع: ما هو وضع الاقتصاد العالمي؟
الجواب: في العالم اقتصاد منهك، يعبث بحرمته الدولار، ويخضع لسياسة شوهاء رعناء، لا ذكر لها في قواميس المنطق، ولا وصف لها في معاجم السياسيين، وإن هذه الورقة المغْبَرَّة الدَّكناء التي يسمُّونها الدولار، هي التي تُسَيِّر بعض أنحاء العالم، وتفرض سلطانها الجائر على بعض الجهات في العالم وتسِيرُ به إلى حيث تُريد ولا يُريد.
السؤال الخامس: أين دور السياسة حاضراً ومستقبلاً؟
الجواب: لقد كان للسياسة، في الأمس القريب والبعيد، برامج ومناهج، وخطط وتعاليم، وأما سياسة هذه الأيام فإن فيها تقلُّب الأفعى وتلوُّن الحرباء، لا ضمير لها ولا عاطفة فيها، ومتى كان للضمير اعتبار في نفوس هؤلاء السَّاسة، ومتى كان للضمير تقدير عند هؤلاء السِّياسيين، الذين يوجِّهون دفة العالم إلى وسط اللجَّة الصاخبة، بدلاً من توجيهها إلى الشاطئ الأمين.
السؤال السادس: هل من سبيل إلى خلاص سياسي واقتصادي؟
الجواب: لا يستطيع العالم أن يتفلَّتْ من هذا الكابوس الثقيل، ويتجه إلى مصير هادئ أمين، ويقضي على هذه الأخطار المحيقة به، وبإنسانيته المترفة، ومدنيته الوارفة، إلا بعد أن يقيم للحياة نظاماً ثابتاً مستقيماً، ليس فيه شيء من جموح الشمال ولا من جمود اليمين، لا من تطاول الارستقراطية، ولا من تطرف الاشتراكية، وإنما هناك حدّ معتدل بين تلك التي تَجمَح للمحافظة، وبين هذه التي تَجنَح للثورة، وذلك بإيجاد نظام ثابت للاقتصاد يكون فيه الإنتاج وحده أساساً لعملة البلاد، ويُقصي عن ميدان الاقتصاد، هذا الذي يسمُّونه الدولار، والذي يسيطر على أكثر مرافق الدنيا، بالرغم من حيوية هذه الدنيا، وأن يوجد في العالم هيئة أممية صحيحة مؤلفة من رجال يرغبون في السلم، ولا يرغبون في الحرب، ثم يُوجَّه هذا الإنتاج الحربي في الدول الكبيرة المتناحرة، إلى إنتاج الغذاء الدَّسِمْ لهذه الحضارة المنكوبة، برسالتها المثالية المقدَّسة، وأن يُقضي نهائياً على جرثومة الصُّهيونية التي تهدِّد الرُّوحانية السامية والدين والأخلاق، والتي تسعى لأن تسود الرذيلة على الفضيلة والرَّجاسة على القداسة، وهيهات أن يستقر العالم، وأن يسود فيه نظام صحيح، ومثل هذه الدولة المنكرة الرَّعناء تسير على درب من دروب الحياة، وتجد لها مشجِّعاً من أبناء هذي الحياة.
السؤال السابع: هل المتوخى ممكن التحقيق؟
الجواب: من غير الممكن أن تتحقق مثل هذه المثل الصالحة والعالم مُسَيَّر بالولايات المتحدة الأمريكية الجاثمة على قنابل ذرية جهنمية وجبال من الحديد والفولاذ، ومن حولها دنيا من المحيطات، وبريطانيا تتربع على قمة من الموج الصاخب الهائج، وفي يدها مفاتيح العديد من البلدان، والعالم يعرف ذلك، ويتجاهله وينصرف بتفكيره وإنتاجه، لخدمة هؤلاء الساعين به إلى الخراب والدمار.
السؤال الثامن: ما التوقعات حول السلم والحرب عالمياً؟
الجواب: ما دام كل ما ورد في الأجوبة السابقة يجري على مرأى من أعين الليالي، وعلى مسمع من ضمير الوجود، فاعلم بأنك ستتنَّشق رائحة البارود مرة ثالثة في حرب عنيفة ثالثة، تنزلق بالعالم إلى مصير غامض مجهول، وتعفي على آثار المدينة والحضارة فيه.
بذلك أكون قد استأنست برأي كاتب مفكر متنور مضى عليه عقود، وأصبح في دار الخلود، خلافاً لبعض الذين يستأنسون بآراء من هم في مكاتبهم قعود، وعلى ما يجري شهود، والنار من حولهم ذات الوقود.
فليعي العالم أن الولايات المتحدة الأمريكية (مع حلفائها والصهيونية التي تديرهم) هي عدوته الأولى، وليدرك الحريصون على “الأمن الإسرائيلي” أن الأمن العالمي لا يتحقق مادام “الأمن الإسرائيلي” قائماً، وأن محور المقاومة حاجة عالمية لكبح جماح محور الشر.
أما السؤال الأخير: إلى أين يسير بلدنا الصغير، في ظل هذا الوضع العالمي الخطير؟ فستكون الإجابة عنه في مقال لاحق.
عبد اللطيف شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية