زواياصحيفة البعث

إيران الخصم العنيد

علي اليوسف

على مدى السنوات الماضية، وتحديداً منذ الاتفاق النووي الموقّع عام 2015، كانت إيران خصماً عنيداً للولايات المتحدة، ولعلّ اختيار روسيا والصين حليفاً لها لاحقاً شكل ورقة مهمة في محور المفاوضات الجارية الآن والتي تشير جميع معطياتها إلى أنها باتت في النهايات.

وقبل أن تبدأ العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا، كانت إيران عملياً قد دخلت المفاوضات الجدية مع باقي أطراف الاتفاق، وحينها كان الضغط على إيران شديداً لدرجة أنه تمّ تسريب أنباء أكثر من مرة عن احتمال انهيار المفاوضات، لكن مع بدء سير العمليات العسكرية في أوكرانيا، تمّ لحظ تراجع لدى المفاوضين الغربيين، وتلطيف الأجواء مع المفاوض الإيراني في حركة مكشوفة الأهداف لكل متابع لمجرى المفاوضات.

هذا التلطيف في الأجواء لا ينفي على الإطلاق أن الولايات المتحدة ترى في إيران الخطر الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها القوة الإقليمية الوحيدة التي يمكن أن تشكل تهديداً حقيقياً لازدواجية الأمن الإسرائيلي والمصالح الأمريكية في منطقة الخليج خاصة، ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة.

في المقابل، ترى إيران أن الولايات المتحدة بسياساتها الحالية تسعى إلى فرض رؤيتها على العالم، وبأساليب لا تتوافق مع مصالح العديد من دول العالم ومنها إيران، وفي ظل الاختلاف بين الرؤيتين الإيرانية والأمريكية التي زادت حدتها في فترة ترامب عندما مارست إدارته عدداً من الإجراءات العقابية ضد إيران حتى قبل الانسحاب من الاتفاق النووي، ومنها مثلاً توقيع عقوبات على الإدارة الإيرانية والحجز على عقارات مملوكة للحكومة.

كان الهدف من فرض العقوبات هو إضعافها اقتصادياً، وتحجيمها عسكرياً، وحتى احتوائها، لكن وإلى اللحظة تركز الولايات المتحدة في جهودها بالدرجة الأولى على الجانب الاقتصادي، بعد أن انسحبت من الاتفاق النووي وأعادت فرض عقوبات اقتصادية من خلال إجراءات صارمة بالعمل على منع أوروبا من استيراد النفط الإيراني، وترحيل الشركات النفطية والصناعية والاستثمارات الأوروبية الكبرى من إيران، وفرض عقوبات على البنوك الإيرانية.

لكن، بعد أن فشلت الولايات المتحدة في خنق إيران بالعقوبات الاقتصادية المتتالية، ومخرجات العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والتحالف القوي للثلاثي الروسي- الصيني- الإيراني، نراها اليوم ترغب في توقيع الاتفاق النووي مع إيران مرة ثانية، بحيث يكون ذلك عاملاً داعماً ومساعداً للتهدئة مع إيران تفادياً لمزيد من تعميق العلاقات بين الأخيرة والصين، وتعاظم تحالفها مع روسيا، وهما دولتان متمسكتان بحق إيران في الحصول على برنامج نووي للأغراض السلمية.

وعلى الرغم من أن الصين وروسيا قد أعلنتا التزامهما بالعقوبات التي تقرّرت في مجلس الأمن الدولي بشأن إيران -حركة تكتيكية- إلا أنهما أكدتا صراحة معارضتهما العقوبات الأمريكية الأوروبية على أساس أنها عقوبات خارج إطار الأمم المتحدة، وهو الموقف الذي يدفع البلدين لمواجهة ضغط أمريكي- أوروبي مشترك، بحيث يجعل رفضهما التزام العقوبات الأمريكية الأوروبية على إيران ذا ثمن كبير مثل تهديد مصالح الصين الاقتصادية والتجارية الكبيرة مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، فضلاً عن أوراق الضغط العديدة التي يمكن أن تستخدمها أمريكا في مواجهته، بعد أن تنتهي العملية الخاصة الروسية في أوكرانيا.