الشكوى في الأسواق تفضح “حكي” حماة المستهلك.. والغلاء يُجرد الموائد الرمضانية من زينتها!
لم يعد لشهر رمضان الكريم بهجته وطقوسه الجميلة التي نعرفها، فالموائد الرمضانية العامرة بأشهى المأكولات التي يجتمع حولها أفراد الأسرة والأقارب والأصدقاء باتت من ذكريات الزمن الجميل، بعد أن جردها الغلاء الفاحش من زينتها المعهودة، بما تحتويه مما لذّ وطاب من أكلات وحلويات رمضانية وغيرها، ويخشى الناس أن تصبح معظم عادات الشهر الفضيل من المنسيات!، فيما لا يتردّد المعنيون بشؤون الأسواق بالابتسامة أمام عدسات الكاميرات وهم يفتتحون إحدى الأسواق الرمضانية الخيرية، ويتجولون فيها ويتحدثون عن توفر المواد دون أن يرفّ لهم جفن من هول جنون أسعارها التي عجزوا بامتياز عن ضبطها!!.
ما حدا مرتاح!
“آخ.. وآخ.. ما حدا مرتاح”، تنهيدة من قلب مجروح أطلقها أبو أحمد وهو يرى قوائم الأسعار التي تتبدل كل يوم، هذا الرجل الستيني وقف عاجزاً عن شراء المعروك الذي يبدأ من سعر 4000 ليرة للقطعة الصغيرة ليصل إلى 13 ألفاً للمتوسطة وبحدود الـ 18 ألفاً للقطعة الكبيرة، ما جعله يحجم عن الشراء.
ولم يصدق مواطن آخر أن طبق الفتوش يكلّف 20 ألف ليرة، فكيلو البندورة قفز لـ 5000 ليرة والخسة الواحدة بألف، و”جرزة” البقدونس كذلك بألف عدا عن المكونات الأخرى للطبق!.
“كان الله بالعون”
هذا هو لسان حال المواطنين من أصحاب الرواتب التي لم تعد تكفي لتحضير وجبتي إفطار وسحور لثلاثة أيام، إن لم نقل ليومين.. هل كان أحد في سورية يصدق أن كيلو الفاصولياء الخضراء يمكن أن يصل لحدود الـ 18 ألف ليرة، بل أكثر، والباذنجان لـ 4000 والفول الأخضر لـ 4500، وقسْ على ذلك أسعار باقي الخضراوات التي بات المواطن يشتريها بالحبة مثلها، مثل البيضة التي وصل سعرها لـ 500 ليرة؟!.
دون لحمة!
وعن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء حدّث ولا حرج، حيث وصل إلى حدود خيالية سيجعل وجودها على الموائد الرمضانية قليلاً إن لم يكن معدوماً، فكيلو لحم الخاروف وصل لـ 30 ألفاً وأكثر في بعض المحافظات، فيما سعر كيلو لحم العجل بـ 25 ألفاً، وبلغ سعر الفروج الحي وحسب النشرة الأخيرة لمديرية التجارة الداخلية بدمشق 8000 ليرة، لكن هذا السعر غير ثابت، إذ يباع في بعض المحال بـ 9000 ليرة، فيما بلغ سعر كيلو الشرحات بـ 17 ألف ليرة، ما يدلّ على عدم التزام أصحاب المحال بالتسعيرة النظامية، ما جعل أحد المواطنين يترحم على أكلة الشاكرية!.
وتتساءل إحدى السيدات: هل يعقل أن يغيب التمر عن مائدة رمضان، في إشارة منها لغلاء كل أنواع التمور حتى الرديء منها، حيث تبدأ الأسعار من 8000 لتصل لحدود العشرين ألفاً، وهنا نسأل: من يضع تسعيرة التمور، علماً أنه لا يوجد في أسواقنا تمر من النوع الأول بحسب المعنيين بشؤون استيراد المواد؟!
ولم تنجُ عصائر رمضان من الغلاء، وخاصة العرقسوس والتمر الهندي، فهما من أشهر المشروبات الرمضانية على الموائد، حيث يباع لتر العرقسوس بحدود الـ 1800 ليرة، فيما يبلغ سعر التمر هندي بحدود 4000 ليرة، وربما يزيد أو ينقص حسب مزاج البائع الذي يتحكّم بالسعر دون مساءلة من أحد!، فيما وصل سعر لتر العصير الطبيعي إلى أكثر من 12 ألف ليرة، ما جعل المواطن يستبدله بالعصير المحلى بالسكر والملون بالأصبغة.
مفارقة عجيبة!
في الوقت الذي يئنّ فيه الغالبية من الشكوى تجد المطاعم تعجّ بروادها، علماً أن تكلفة الوجبة الواحدة ما بين 25– 45 ألف ليرة، بل وتصل لخمسين وأكثر للشخص يدفعها البعض من “طرف الجيبة”.
الحلو بطعم المرّ
وفي محال بيع الحلويات يشكو أصحابها من ضعف الإقبال الذي انخفض بحسب البعض إلى أكثر من 50% عن رمضان العام الماضي، ويعلّلون سبب ارتفاع أسعارها لارتفاع موادها الأولية من طحين وسمنة نباتية أو بلدية، إضافة للمكسرات والسكر وغيره من مستلزمات صنع الحلويات، ليأتي ارتفاع سعر أسطوانة الغاز ويزيد لهيب الأسعار، إذ من الصعب تأمينها بأقل من 230 ألف ليرة، وربما أكثر، كل ذلك جعل طعم الحلويات مرّ المذاق نتيجة غلائها!!.
مجرد تصريحات؟
يتذكر المواطنون جيداً قبل حلول شهر رمضان المبارك ما قاله وزير الصناعة أن الأسعار لن ترتفع في شهر رمضان، فيما لم يتردّد أحد أعضاء مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق بالقول: إن غليان الأسعار في سورية الذي طال كل سلعة ومادة هو أمر “غير مسبوق منذ ثلاثين عاماً”، وبين تناقض التصريحين نسأل: هل يعيش “حماة المستهلك” خارج عالمنا، وهل وصلوا إلى حالة العجز التام عن إيجاد حلول للغلاء، خاصة وأن جزءاً كبيراً منه تتحمّل مسؤوليته الحكومة التي لم تستطع تطويق الأزمات بما يخفّف العبء الثقيل عن جيب المواطن الملتهبة؟!.
هنا ينتقد الخبراء في الاقتصاد عجز الحكومة عن إيجاد حلول، وبرأي بعضهم أن البدائل كانت غير منطقية، وستساهم بزيادة فقر المواطن كالإعلان عن قرض الـ 500 ألف للشراء من مؤسسات السورية للتجارة، فإضافة إلى عبء تسديده اكتشف المستهلك أن أغلب السلع على وشك انتهاء الصلاحية أو كاسدة ويريدون التخلص منها بأي وسيلة!
بالمختصر، هناك حلقة مفقودة نلمسها بوضوح لجهة مسؤولية مراقبة ومتابعة السوق المحلية من قبل الجهات المعنية، لذا نعود للقول والتأكيد إن ضبط الأسعار لا يكون بالقرارات الورقية وإنما نحتاج لجهود كبيرة لتحقيق عدالة في الأسعار، أو ما يُسمّى بلغة الاقتصاد توازن السوق وفق معادلة “الإنتاج يساوي الاستهلاك”، ولكن بأسعار مناسبة لأصحاب الدخل المحدود، وغير ذلك سيبقى المواطن “طفراناً” والصانع يشعر بنفسه خسراناً بحجة غلاء المواد، بينما التاجر هو الوحيد الربحان دون حسيب أو رقيب!!.
غسان فطوم