“جوقة عزيزة”.. بين الكلام المسجوع والاستعراضات والأداء اللافت
“قلبي مربوط بخيط بكفه”، الجملة التي ردّدتها عزيزة في لحظة ضعف وانكسار بعد نهاية علاقتها بالكابتن طارق (خالد القيش) الضابط السوري في زمن الاحتلال الفرنسي، في مسلسل “جوقة عزيزة” الذي لفت انتباه المشاهدين منذ الحلقات الأولى، ولاسيما أنه يعتمد بالبطولة المطلقة على النجمة الجميلة نسرين طافش التي تصنّف بالفنانة الشاملة، كونها تملك قدرات تمكنها من أداء التمثيل والرقص والغناء في مشهد واحد. يساندها النجم سلوم حداد ضارب الإيقاع مساعدها في العمل، وفي حياتها الخاصة، ووقوفه الدائم بجانبها لتتحرّر من عشق طارق، بأدائه اللافت والطريف وصياغة مفرداته النابعة من الروح الشعبية الشامية، والتي تكتمل مع مقولات عزيزة المسجوعة بجرس موسيقي وبترانيم صوتها، مثل مشهد دعائها أمام الشيخ ليشفي الله قلبها العليل.
طغيان البيئة الشامية
بُني العمل الذي كتبه خلدون قتلان على قصة تاريخية شعبية لحكاية فنانة اسمها “عزيزة”، أول من أسّست مسرحاً راقصاً في سورية، وأول من درّبت على الرقص الشرقي، وأخذت مكانها في شارع المرقص بين الحانات، ضمن توثيق غير مباشر لنهوض الفن في سورية. وتدور أحداثه في مرحلة الثلاثينيات من القرن الماضي. ومن الواضح طغيان البيئة الشامية من حيث المفردات والمكان في حارات دمشق والبيوت الدمشقية، والديكور الفاخر للتراث الدمشقي المتمثل بالأثاث والموزاييك والصدف والصمديات والزينات الدمشقية، والأزياء والتركيز على معاطف الفرو التي تعدّ جزءاً من التراث الدمشقي للطبقة المخملية، والتطرق إلى الأمثال الشعبية بأداء فيلدا سمور والدة الكابتن طارق، مع الاهتمام الخاص بديكور غرفة عزيزة التي ضمت كل الجماليات الدمشقية مع الإيحاءات الفنية مثل جهاز الأسطوانات القديم “الفونوغراف”، إضافة إلى تأثير الموسيقا التصويرية للموسيقي إياد الريماوي وتلحينه الأغنيات التي ستؤديها لاحقاً عزيزة. فدمج العمل بين القصة الشعبية التاريخية والبيئة الشامية بتوقيع المخرج البارع تامر اسحق الذي قدّم أعمالاً مختلفة من نمط البيئة الشامية.
ولاشك أن الأداء الباهر والإغراء الأنثوي الموظّف لنسرين طافش كان له دور كبير بإنجاح العمل، وقد تكامل مع أداء جميع الممثلين، وخاصة علي كريّم –أبو محمد- الذي أدى دوره بانفعالات مدهشة تقنع المشاهد وتشدّه إلى تصاعد الأحداث، وهو والد صالحة زوجة الكابتن طارق، التي ترفض قرار والدها بفسخ عقد زواجها وانفصالها عن طارق، فتقرر الهرب معه وترك منزل أهلها، ما جرّ إلى تبعات عنيفة حينما طلق زوجته -تولاي هارون- والدة صالحة طلقة واحدة وربط بين عودتها إلى المنزل وعودة صالحة، فيثير مشكلة الطلاق التعسفي الموجودة حتى الآن والتي سُلّط الضوء عليها في أكثر الأعمال الشامية.
وفي جانب آخر حضور النجم أيمن رضا الذي يؤدي دور الأخ الأكبر للكابتن طارق والمدافع عنه، وستكشف الحلقات القادمة عن جوانب شخصيته المتضمن البعد العاطفي الذي نوّه عنه في مشهد الحافلة.
الدور الوطني
كما حفل المسلسل بقصص حب مختلفة، والأهم كان الدور الوطني الفعّال الذي ستقوم به عزيزة مع الوطنيين الذين يعملون لتحرّر البلد من الفرنسيين، من خلال قربها من القيادات الفرنسية. فيقوم العمل على الربط بين الأحداث السياسية والفنّ الذي يرتبط بالمجتمع ويؤثر به ويشير إلى التقارب الفني بين مصر وسورية، ومازال العمل في بداياته ويحمل الكثير من المتغيّرات والإضافات السياسية والفنية بحضور نورا رحال بشخصية سهام المطربة التي تغني بحفلات الأعراس وتتعرض لصعوبات وعراقيل عائلية ستتجاوزها لتتصاعد الأحداث معها من خلال الغناء والتمثيل، إضافة إلى دور هبة نور التي تسعى لتكون مثل عزيزة.
فشغل مسلسل جوقة عزيزة – إنتاج شركة غولدن لاين بتكاليف باهظة – حيزاً على الخارطة الدرامية وغدا منافساً قوياً لأقوى الأعمال السورية التي تشغل المحطات السورية والعربية بمختلف ألوانها الدرامية، إثر تألق الدراما السورية في الموسم الحالي 2022 ليس على صعيد الأعمال النوعية، وإنما بالتنويع بالمنتج والتسويق بالعرض على المحطات العربية بعد سنوات الحرب والمقاطعة أيضاً، فهل يستطيع أن يحصل على المركز الأول في غمار الحضور الكبير لـ”كسر عضم”، و”مع وقف التنفيذ”، و”على قيد الحب”، الأعمال النوعية التي شدّت أنفاس المشاهدين وأطفأت بريق الأجزاء للأعمال السابقة؟.
ملده شويكاني