في ندوة “شام الطفولة”.. قصيدة الطفل بخير والمعضلة في قصته
لم يقتصر الحديث في ندوة مجلة “شام الطفولة” التي أقامها فرع إدلب لاتّحاد الكتّاب العرب في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة بإدارة محمد خالد الخضر، ومشاركة رئيس تحريرها صبحي سعيد، ومدير تحريرها أسعد الديري، ومخرجها الفنّي رامز حاج حسين، على المجلة، بل اتّسع ليمتد كلامُ المشاركين فيها إلى أدب الطفل وشجونه.
حوار جماعي
وأكد سعيد أنه لا يمكن أن نحقق نهضة إبداعية في المجالات كافة ما لم نحقق نهضة متميزة في مجال أدب الأطفال، مبيناً أن هناك استسهالاً في هذا الأدب وأن أيّ كاتب بات يتجرأ على الكتابة فيه، في حين أن الكاتب الذي يريد أن يتوجّه للطفل يجب أن يكون مدركاً لأبعاد ما يتحدّث عنه، مشيراً إلى وجود كتّاب يكتبون للأطفال وهم لا يفرّقون بين الخاطرة والقصة، دون أن ينفي وجود كتّاب أطفال مهمين في سورية، ولكنهم – برأي سعيد – لم يصلوا للطموح الذي يتمناه الجميع، كذلك إلى دُور النشر الخاصة والتجارية التي تتحكم بثقافتنا ويغلب عليها الطابع التجاري، في حين أن الثقافة الحقيقية برأيه يجب أن تكون بيد مؤسّسات لها علاقة بروح الوطن وأفكاره. وأسفَ صبحي لأن الذين يهمّهم الأمر الثقافي ما زالوا قلة من القراء والعاملين المنتجين للثقافة بكل فروعها أدباً وشعراً ومسرحاً، حيث نعيش اليوم زمن المسلسلات والوجبات السريعة التي تخرج وتربّى في صالونات التجارة التي لا يهمها إلاّ تحقيق أكبر نسبة من الربح، موضحاً أن تسمية “شام الطفولة” تتقاطع في أحد حروف اسمها مع مجلة “شامة”، لكن الفرق شاسع بين معاني كلمة “شام” التي تعني الوطن الذي نعشقه وبين “شامة” التي تعني الحبّة في الوجه، وأن أهم هدف يسعى إليه مع هيئة التحرير في مجلة “شام الطفولة” العمل من خلال العقل الجماعي في هيئة التحرير، مبيناً أن المجلة كانت ملحقاً لـ “الأسبوع الأدبي”، وتمّ تحويلها إلى مجلة بجهوده وجهود أسعد الديري، وهي اليوم تصدر بـ 24 صفحة وله أمل كبير في أن يكون لها شأن كبير، منوهاً بأن جميع القرارات الصادرة عن المجلة هي قرارات نتيجة حوار جماعي، وبهدف تنشيطها وتنشيط أدب الأطفال وكتّابه تشجّع هيئة التحرير الكتّاب دائماً على التواصل معها ليكونوا داعمين لها، وكانت هيئة التحرير حريصة على إيصالها ورقياً إلى طلاب المدارس من خلال دعوة وزارة التربية للمشاركة في طباعتها وتوزيعها على المدارس، إلا أن الإمكانيات غير المتوفرة في الوزارة حالت دون ذلك وهي اليوم موجودة إلكترونياً على موقع اتحاد الكتّاب العرب.
وختم صبحي سعيد كلامه بالتأكيد على أنه لا يمكن أن نحلم بنهضة في مجال الأدب عموماً وأدب الأطفال بشكل خاص ما لم تكن لدينا نهضة نقدية قادرة على تقديم قراءات نقدية عميقة لكل الأعمال المنتَجة.
غياب الخيال
وأثنى الديري على عقد مثل هذه الندوة، متمنياً عقد ندوات أخرى للحديث عن هذا الموضوع المهمّ بحضور جهات ذات فاعلية، لأن أي أمة تريد أن ترتقي سلم الحضارة ولا تولي الأطفال الأهمية فهي تبحث عن حضارة عرجاء، لذلك يجب أن يكون اهتمامنا بالأطفال في المقدمة، مؤكداً من خلال عمله بـ “شام الطفولة” كمدير تحرير، واطّلاعه على القصائد التي ترِد إليها أن أدب الأطفال، والشعر تحديداً، بخير في ظل وجود شعراء حقيقيين يكتبون بشكل جيد، فكل قصائد الأطفال التي تُنشَر في المجلّة تخضع لمعايير الشعر من إيقاع ووزن، ولكن المعضلة تكمن في قصة الطفل حيث لا يوجد هناك – برأيه – أدب قصة الطفل حتى الآن، والدليل أننا حتى الآن لم نستطع أن نُقدّم للطفل قصة شبيهة بقصة “سندريلا” وغيرها من القصص العالمية الأخرى التي يعرفها كل طفل في العالم، والأسباب برأيه كثيرة، أهمها غياب الخيال الواسع عن كتّابنا.
خطة وطنية
وبيّن حاج حسين أنه وفي ظل عدم وجود دراسة أكاديمية لتأطير الخطة الوطنية السوريّة لأدب وفن الطفل، فنحن دائماً أمام تجارب شخصية قد تكون غاية في الدقة والرؤية، وقد تنحدر إلى مستويات من الإسفاف والاستسهال، لذلك دعا إلى وجود منبر خاص بأدب الطفل وتعريف العاملين فيه وبأسس بناء لوحته وقصته. وكمشرف فني أشار حاج حسين إلى أنه دائماً يبحث عمّا أسّسه الجيل الأول في مجلة “أسامة” كممتاز البحرة الذي رسم أطفالاً هم أطفال سورية بالشكل وكل تفاصيل اللوحة من خلال شخصيات باسم ورباب، مبيناً أنه في حقبة طفولته كانت مناهج وزارة التربية تمثله وتمثلنا لأننا ما زلنا نحفظ أشعار سليمان العيسى حتى الآن، وقد تربّت أجيال على ثنائية الكلمة والصورة التي كان العيسى والبحرة يقدمانها، أما اليوم فالجميع يسعى بشكل فردي، لذلك لا بد من وجود خطة وطنية شاملة لموضوع تأطير وتوطين أدب الطفل والرسوم الخاصة بالأطفال، وهذا ما يجب أن تقوم به ليس وزارة الثقافة وحدها بل يجب أن تتضافر جهود وزارة الإعلام والتربية وشعبة الكرتون الموجهة للأطفال، بهدف استقطاب الفنانين الموجودين وتوحيد جهودهم لتقديم فن وأدب أطفال راقٍ، مع إشارته إلى غياب العديد من الاختصاصات الضرورية لأدب الطفل ولوحته عن الكليات المعنية، في حين أن وجود شعبة خاصة بالكتاب المصوّر في الكلية الفنية في مصر تُخرّج كل عام أجيالاً مؤهلة ومتمرّسة بالقواعد الأساسية لكتاب الطفل وصناعة اللوحة، بينما في سورية يغيب هذا الاختصاص ويقتصر على الجهود الشخصية لبعض الخريجين من كلية الفنون الجميلة الذين يتعبون على أنفسهم ليعملوا في هذا المجال، مع تأكيده على وجود من يستسهل هذا المجال، لذلك تبرز حاجتنا إلى خطة وطنية ناظمة –برأيه- ترعى كل المواهب الحقيقية التي يمكن أن ترفد كل الإصدارات المتعلّقة بالطفل، مؤكداً أن وجودهم وتأهيلهم بشكل صحيح سيشجّع على وجود منابر ومجّلات أخرى خاصّةً، وأن ذائقة طفلنا تحتمل ذلك.
استشارة الطفل
وأشار د. بكور العاروب في مداخلة له إلى أن أدب الطفل العالمي اعتمد في مضمونه الأساسي على التراث الشعبي لتلك البلاد، حين أخذ كتّابهم تلك الحكايات واهتموا بها وارتقوا بها بصيغة عالميّة كقصة “سندريلا” التي يعرفها كل أطفال العالم، أما كُتّابنا فهم ما زالوا يُقلّدون هذه الحكايات حتى بمفرداتها الغريبة عن بيئتنا ولم يستوحوا حكاياتهم من التراث، رغم أن هذا التراث يضمّ الكثير من الحكايات الشعبية التي يمكن الاتّكاء عليها لبناء شخصيات مثل سندريلا، منوهاً كذلك بجملة من القضايا التي يعاني منها أدب الأطفال كتقمص الكاتب لشخصية الطفل وحياته عندما يُخاطب الطفل، مع تأكيده على وجود مستشارين تربويين ونفسيين لأدب الأطفال، والأخذ بعين الاعتبار ضرورة استشارة الطفل ومراعاة المراحل العمرية له، وأسف لأن ظاهرة الطفل الأديب غير موجودة بشكل جيد لأن ما يُقَدَّم عبر مؤسساتنا – برأيه – في معظمه عبارة عن نشاطات استعراضية.
أمينة عباس