في الموسم الدّرامي الرّمضاني.. خالد تاجا الغائب الحاضر
لستُ مع تشبيه أحد بأحد ولا مقارنة أحدٍ بأحد، لكن أن يجتمع فنّانون على إطلاق لقب “أنطوني كوين العرب” على الفنّان الرّاحل خالد تاجا، فهذا أمر جميل ورائع أن يروا بزميلهم فنّاناً عالمياً من حيث الأداء والرّقي، سواء في التّعامل الإنساني أو المجال المهني.
في هذه الأيام ومع مرور الذّكرى السّنوية العاشرة لرحيل الخالد تاجا – الرّابع من نيسان 2012 – يستذكر فنّانون وأدباء وأصدقاء فقيدهم وفقيد الفنّ بألم وحزن وشوق وحسرة على الفقد الكبير، يقول الفنّان محمد شمّا: كم نشتاقك.. نشتاق نبرةَ صوتك.. نشتاق تلك النّظرات التي تغني أرواحنا قبل اللقطة.. أنتوني كوين العرب والعالم.
بدوره، يقول الأديب سعيد البرغوثي: الصّديق الأجمل خالد تاجا، علامة فارقة في الموقف والفنّ والحياة.. في أرواحنا نضيء له الشّموع في ذكرى رحيله.
ويروي الفنّان قاسم ملحو أحد المواقف التي جمعته مع الرّاحل أثناء تصوير مسلسل “الدّبور” للمخرج تامر اسحاق: كنت أشتغل شخصية تحت جناحه باعتباره هو الشّخصية صاحبة النّفوذ، فطلب منّي طلباً وأجبته: “لا أبو حمدي..لا لا شو هالحكي هاد”.. فقال لي: “لأ” واحدة تكفي.. أجبته: أستاذ لا تكفي “لا” واحدة، وعندما أصوّر المشهد سأقول لك لماذا.. وفعلاً صوّرت الّلقطة وأثناء تغيير موضع الكاميرا استرحنا فترةً قصيرةً وجلسنا متجاورين، فالتفت إليّ بنظرته العميقة وصوته الخاص وقال: “على فكرة أنا بعجبك”، فأجبته بحماسة لا تخلو من حبّ: طبعاً أستاذ أنت تعجبني وجدّاً فأنا أرى أنْ لا أحد مثلك في المكانة.. فقال لي: أقصد أنّني أعجبك كمثقفٍ وقارئ.. وهو في ذلك يشير إلى تكرار الكلمة “لا” فقلت له: أستاذ أنت كمكانة رفيعة للشّخصية التي تقوم بأدائها لاتسمح لي أنا بالشّخصية التي ألعبها أن أعترض بكلّ هذه اللاءات لأنّك “أبو حمدي” وأنا “أبو حديد” وأنت معلمي في العمل وتطلب منّي أن أطلّق زوجتي، لذلك دهشة “أبو حديد” من الطّلب وضخامة الطّلب تسمح له الاعتراض بهذا الشّكل.. حينها نظر إليّ نظرةً لا أنساها وقال بحب أبوي: “أنت حدا بيفهم كتير بالتّمثيل”.. بعدها وكلما أراد أن يقصّ علينا حكايةً ينظر إليّ ويقول: اسمع يا قاسم هالقصّة.. إنّه المدهش والاستثنائي خالد تاجا.
نعم إنّه فنّان استثنائي بكلّ ما قدّم من أدوار لا يمكن أن تنسى منذ بداياته التي لم نكن حينها قد ولدنا ولكنّنا شاهدناها لاحقاً نبدأ بالسّينما وتحديداً من “سائق الشاحنة 1966” من إنتاج المؤسسة العامّة للسّينما، وفيه أدّى دور البطولة بعد أن وقع عليه اختيار المخرج اليوغسلافي “بوشكو فوتونوفيتش”، إلى “رجال تحت الشّمس 1970” عن رواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، وبعده “الفهد 1972” للمخرج نبيل المالح، كذلك الفيلم السّوري- المصري “أيّام في لندن 1976” للمخرج سمير الغصيني.
وتستمر مسيرة العطاء في التّلفزيون، إذ قدّم شخصيات متنوّعة ومختلفة وفي كلّ واحدة لم نكن نتخيّل أن يؤدّيها فنّان آخر، نذكر على سبيل المثال لا الحصر “هجرة القلوب إلى القلوب” و”أيام شامية” و”جريمة في الذّاكرة” و”الثّريا” و”إخوة التّراب” و”التّغريبة الفلسطينية” ولن ننسى أبداً صوته وضحكته وصمته وحزنه في “الزّير سالم”، ولن نهضم حقّه في الكوميديا، ونذكر هنا “يوميات مدير عام” إذ كان الأكثر قدرةً على إضحاكنا بهدوئه وبحركاته المدروسة، ولم يكن بحاجة للتّهريج أو الصّراخ أو إطلاق النّكات جزافاً ليضحكنا.
في عام 2004 عُدّ خالد تاجا أحد أفضل خمسين ممثلاً في العالم، بحسب ما نشرت حينها مجلة “التّايم” الأميركية، وعلى الرّغم من أنّه لم يكن يطمح إلى الجوائز أو يعدّها هدفاً، وذكر سابقاً أن محبّة النّاس هي الأفضل، لكنّه حصل على العديد من الجوائز منها الذّهبية لأفضل ممثل في مهرجان القاهرة الحادي عشر، وفي مهرجان آخر حصل على درعٍ تكريميةٍ عام 2005 عن دوره في “التّغريبة الفلسطينية”، وفي العام ذاته نال جائزة لجنة التّحكيم للدّراما السّورية “أدونيا عام 2005″، لكن وكما ذكر وهذا ما أثبتته الأيّام محبّة النّاس هي الأكثر بقاءً.
نجوى صليبه