وسط غياب الحلول لإنعاش القطاع الصناعي..”الشيبس والمحارم” يتصدران المشهد رغم الغش والتلاعب بالجودة!
على الرغم من قلة عددها، وإجماع المواطنين على رداءتها، إلا أن القنوات التلفزيونية المحلية لاتزال مصرة مرة أخرى على الترويج لمنتجات وسلع محلية لا تخرج من دائرة “الشيبس والمحارم” ذات الجودة “العدم” التي لم تلق صدى عند المستهلكين منذ طرحها في الأسواق، ليكون الإعلان عنها لعشر مرات في أقل من ساعة خلال شهر رمضان هو الحل برأي الصناعيين ممن أرادوا أن يتقبّل المواطن منتجهم “رغماً عن أنفه” من خلال الاستعانة بممثّلين وفنانين مشهورين بغية كسب ثقة المواطنين، لنشهد اليوم صناعة محلية مليئة بالغش والتلاعب بمعايير الجودة، بدءاً من صناعة الإعلان المروّج لها والرافض للتحرك خطوة إلى الأمام منذ عقود، وانتهاء بالسلع والمنتجات المحلية المأسوف عليها منذ أكثر من عشر سنوات مضت!.
محاربة داخلية
لم يعد خافياً على أحد أن القطاع الصناعي اليوم يعيش مرحلة من الترهل ذي العيار الثقيل، لينزل إلى مصاف العديد من القطاعات التي باتت تشكّل عبئاً على الاقتصاد الوطني، لاسيما أن جلّ عمله بات ينحصر بجانب اجتماعي فقط كدفع رواتب بطالة مقنعة لآلاف الموظفين والعمال في شركات ومؤسسات خاسرة اقتصادياً، رغم أنها في كثير من الأحيان رابحة إنتاجياً، وخاسرة تسويقياً لأسباب معروفة لجميع الجهات التي على ما يبدو لا تدخر جهداً بوضع العصي في عجلات هذه الصناعة، لنصل في نهاية المطاف إلى مرحلة اقتصادية خالية من النمو والتنمية، خاصة بعد إغلاق الكثير من المعامل والمصانع، وهجرة أصحابها خارج البلد، أو تغيير منحى عملهم بعد انتهاء الحرب الخارجية وبدء الحرب الداخلية ضدهم، حسب رأيهم، المتمحورة بقلة المحروقات والطاقة الكهربائية، وتوفير المواد الأولية، وغير ذلك من أساسيات العمل الصناعي الغافلة عنه الوزارات المختصة، الأمر الذي يؤكد الحاجة لفهم وتحليل الأسباب التي أدت إلى وصول الصناعة إلى هذه الأوضاع الصعبة، والوقوف على نتائجها بموضوعية وشفافية، ليصار إلى اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمعالجة هذه الأوضاع بشكل فوري وعلى المدى القصير والمتوسط، وتقديم التسهيلات اللازمة لهذا القطاع كي يكون قادراً على الإنتاج مرة أخرى.
إضاعة الفرص
رداءة الجودة، وارتفاع الثمن أصبحا الميزة الأساسية لصناعتنا المحلية، سواء في القطاع العام، أو حتى الخاص الذي كان يتغنّى بتميّزه وتفوقه في منتجاته، فمن وجهة نظر عاطف السعود، “صناعي”، أن سنوات الحرب الماضية ستبقى على ما يبدو شماعة الحكومة لعشرات السنين القادمة لتبرير الفشل الذريع في خروج الصناعة من مستنقعها، ويرى السعود تمسك أصحاب القرار بأية حرب خارجية أو داخلية لإبطال مشروع إصلاح الصناعة المحلية والنهوض بها مجدداً، وهذا ما بدا واضحاً مع بدء الحرب الأوكرانية التي فاقت تداعياتها على الاقتصاد السوري والصناعة المحلية باقي الدول، رغم أن الفرص اليوم بعد انتهاء حربنا كانت أكبر من السابق في بث الروح بمنشآتنا الصناعية التي أصرّ أصحاب القرار مجدداً على إفلات الفرصة في إعادة تنظيم الصناعة الوطنية، وإعادة الاعتبار لها لتكون منافسة ورائدة، وترك الصناعيين يواجهون وحدهم العقوبات الاقتصادية الخارجية، والمآزق الداخلية التي تتجاهلها وزارتنا التي من المفترض أن تكون الحامي الأكبر لنا.
لا جدية!
ومع تكرار الأبحاث والندوات والورش المتحدثة عن معوقات صناعتنا، والخروج بفائض من الحلول للنهوض بهذه الصناعة، لم يتغير شيء، بل على العكس كانت السلع الغذائية تفقد جودتها وثقتها عند المواطن الذي بات يبحث عن السلع الغذائية المهرّبة ذات الجودة الأفضل بسعر مقارب للمحلي، وسط سنوات من الإهمال لهذه الصناعة، خاصة في القطاع الصناعي العام الذي مازال يعاني من مشاكل مزمنة تراكمت على مر عدة عقود، وعلى الرغم من ذلك لا توجد حتى الآن دراسة شاملة معمّقة، أو تقييم موضوعي شفاف عن واقع هذا القطاع، ناهيك عن عدم جدية الحكومات المتعاقبة في إصلاحه ودعمه، إذ يجد الصناعي محمد العليوي الحاجة الكبيرة لأية وسيلة للدعم والحماية لإعادة عجلة الإنتاج المحلي للدوران من جديد، فسورية قبل الأزمة كانت محلّقة اقتصادياً، ولكن في ظل دمار البنى التحتية، وتوقف عجلة الإنتاج بشكل كامل، وبالتالي تراجع قيمة الصادرات، كان لا بد من وجود عملية جديدة لدعم الإنتاج المحلي لترميم الفجوة بين الإنتاج والطلب، وذلك من خلال تحديد مكامن الخلل ومعالجته، وهذا يحتاج لبرامج قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، وبالتالي هي علاقة متكاملة يجب صياغتها بشكل دقيق بالتعاون مع كافة الجهات، وأصرّ الصناعي على عدم تعاون الجهات الحكومية مع الصناعيين المحليين ومساواتهم بالمواطنين من جهة توفير الطاقة والمحروقات وغيرهما من مقومات الصناعة، الأمر الذي أبعد المنتج الوطني في الأعوام الأخيرة عن الخوض في حلبة المنافسة العالمية، خاصة أننا نملك العديد من المنتجات العريقة التي كنا نفاخر بها وننافس بها في الأسواق الخارجية قبل الأزمة، فامتلاكنا لقطاع زراعي مميز وخبرات اقتصادية هائلة مؤشر يدفعنا بشكل سريع لدعم المنتج المحلي لإعادة الانطلاق من جديد.
غش وتلاعب
وبعيداً عن ثغرات القطاع الصناعي، تساءل الصناعي عماد قدسي عن غياب الدور الحقيقي لهيئة دعم المنتج المحلي التي كان الهدف منها ردم الفجوة بين الإنتاج والطلب، إضافة إلى إيجاد مطارح للدعم، ورفع كفاءة المنتج ليصبح قادراً على اختراق الأسواق العالمية، ناهيك عن تلبية احتياجات السوق المحلية من المنتجات والسلع المختلفة، والارتقاء بنوعية وجودة المنتجات، وجذب وتشجيع الاستثمار لإقامة مناطق اقتصادية متخصصة تهدف لتطوير الإنتاج، وهذا ما لم نلمس منه شيئاً!.
ولم ينكر قدسي توجّه الكثير من الصناعيين المحليين لأساليب الغش والالتفاف على الصناعة النظيفة من خلال شراء مواد أولية ذات نوعية سيئة، أو الإنقاص من كمية المواد الموضوعة في الصناعة، سعياً للربح الكبير بتكلفة أقل، تحت مبررات ارتفاع أسعار جميع المواد الداخلة في الصناعة، وعدم تعاون وزارة الصناعة معهم وتقديم التسهيلات لهم، ومن أهمها تخفيف الضغط على الصناعي: “الأمور الضريبية، إلغاء الجمركة على مستوردات المواد الداخلة في الصناعة، توفير ودعم حوامل الطاقة”، مطالباً الجهات الحكومية بتلافي التأثر المباشر والفوري بدوامة الحروب الخارجية كالحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بين ليلة وضحاها على الصناعة السورية من جهة ارتفاع المواد الأولية بنسبة تتجاوز 20%، الأمر الذي انعكس سلباً على سعر المنتج المحلي.
خطوة للأمام
إذاً، نحن في خضم بحر من المشاكل تسبح فيه إدارات وشركات ومؤسسات مترهلة، مع بطء ملحوظ ومتعمّد في الكثير من المطارح لجهة معالجة أوضاع القطاع الصناعي الذي يستنزف بوضعه الحالي الموارد المالية والبشرية الموجودة فيه بسبب عدم التوصل إلى صيغة متكاملة لإصلاحه ومعالجة مشاكله، وبشكل خاص بيئة العمل الإدارية والتنظيمية والمالية التي يعمل ضمنها، الأمر الذي يضع الجهات الوصائية المسؤولة عن هذا القطاع في دائرة الشك، مع توجيه جميع الصناعيين أصابع الاتهام لهذه الجهات التي مازالت تغفو في العسل، في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة لخطوة للأمام لا للخلف.
ميس بركات