مجلة البعث الأسبوعية

مقايضة الروبية والروبل آلية الهند لتجاوز العقوبات المفروضة على روسيا

البعث الأسبوعية-هيفاء علي

تتجاهل الهند التحذيرات الغربية بعدم مساعدة روسيا لمواجهة تبعات العقوبات القسرية، من خلال إنشاء آلية مقايضة الروبية والروبل التي يمكن أن تبدأ في أقرب وقت بحسب محللي الاقتصاد.

وبذلك، تساعد الهند روسيا على تجاوز العقوبات الغربية التي فُرضت في أعقاب عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، حيث تفيد آخر المعلومات أن الهند تدرس إبرام صفقة تجارية بين الروبية-والروبل مع روسيا، وهو اقتراح من موسكو من شأنه أن يضع نيودلهي في مسار المواجهة مع الغرب، ولكن يمكن أن يساعد في حماية اقتصاد الهند من الرياح المتضاربة العالمية، وخاصة فيما يتعلق في ارتفاع أسعار النفط. فالهند حريصة على مواصلة التجارة الثنائية مع روسيا على الرغم من الضغوط القوية التي تمارسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للالتزام بنظام العقوبات. ويرجع السبب في إصرار الهند على مساعدة روسيا إلى أنها تعتمد بشكل كبير على روسيا في الحصول على أسلحتها، وترنو إلى استيراد النفط بسعر أرخص في وقت ارتفعت فيه الأسعار منذ الأزمة الأوكرانية.

وبحسب المسؤولين في الهيئة التجارية الهندية، فإن اتفاق الدفع الثنائي يمكن أن يتم تنفيذه في وقت مبكر من شهر نيسان الجاري، وبدقة أكثر، الأسبوع القادم، على الرغم من أن البنك المركزي الهندي ووزارة المالية الهندية تجنبا حتى الآن الإدلاء بتعليقات رسمية على هذه المسألة. في هذا السياق، لفتت صحيفة “الاقتصادية ” اليومية الرائدة في الهند إلى أنه من المتوقع أن يجتمع مسؤولو البنك المركزي الروسي مع نظرائهم في بنك الاحتياطي الهندي “أر-بي-أي” الأسبوع المقبل لمناقشة إنشاء إطار تنظيمي من شأنه أن يساعد في دعم التجارة الثنائية والمصرفية في مواجهة العقوبات المفروضة على موسكو. زيادة على ذلك، تشير التقارير المحلية نقلاً عن مسؤولين من وزارة المالية الهندية إلى أنه لم يتم بعد تحديد شروط تجارة الروبية-الروبل بالتفصيل، ولكن قد يكون أحد الاحتمالات. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “بيزنس ستاندرد هو” فإن روبية من البنك الروسي مقابل الرنمينبي من فرع بنك صيني في الهند سيكون أسهل في التعاملات، لأن الرنمينبي، على عكس الروبية، يمكن استخدامه من قبل الروس. كما يمكن للبنوك الصينية استخدام الروبية لشراء الدولار حيث لا تواجه أي عقوبات غربية.

إضافة إلى ذلك، أشارت تقارير أخرى إلى أن الخطة قد تتضمن مدفوعات بالروبية والرنمينبي من خلال نظام “سبفس” الروسي الخاص بالرسائل والبديل لنظام “سويفت، الأكثر استخداماً، والذي يُحظر الآن على سبعة بنوك روسية استخدامه تحت عنوان العقوبات. ووفقاً لتقرير صادر عن محطة “سي ان بي سي”، يمكن اعتماد طريقة أبسط، حيث يتعين على البنك الروسي فقط فتح حساب في أحد البنوك الهندية وسيتعين على بنك هندي فتح حساب في روسيا يتم من خلاله الدفع للمصدرين الهنود بالعملة المحلية بدلاً من الدولار أو اليورو لصادراتهم إلى روسيا.  في هذه الحالة، سيتعين على نيودلهي وموسكو الاتفاق على قيمة التبادل، حيث سيتم إرفاق قيمة العملتين الهندية والروسية.

قبل بدء العملية الروسية في أوكرانيا بشهر، كان تداول الروبل بحوالي 85 مقابل الدولار، لكن العملة الروسية انخفضت إلى ما يصل إلى 150 مقابل الدولار في 7 آذار الماضي بعد أنباء عن أن عزم إدارة بايدن حظر واردات الولايات المتحدة من الوقود الروسي، لكنها انتعشت مع ارتفاع أسعار الفائدة إلى 20٪ وفرض موسكو ضوابط على رأس المال.

تريد روسيا أيضاً من الهند أن تدخل في واجهة الدفع الموحدة الخاصة بها مع نظام الدفع ” أم أي أر” الخاص بها من أجل الاستخدام السلس للبطاقات الصادرة عن البنوك الهندية والروسية بعد تعليق عمليات ” فيزا وماستركارد” في روسيا، وذلك وفقا لتقرير وكالة “بلومبرغ” نقلاً عن مصدر حكومي هندي.

وفي معرض تعليق الولايات المتحدة الأمريكية على هذا الأمر، أشار مايكل كوجلمان ، كبير المساعدين لجنوب آسيا في “مركز ويلسون”، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، إلى أن قرار الهند بمتابعة صفقات تجارية لا تعتمد على الدولار مع روسيا قد يثير غضب البعض في واشنطن، لكنه ليس مفاجئاً على الإطلاق، ويتناسب تماماً مع السياسة الهندية السابقة، فلدى نيودلهي علاقة خاصة مع موسكو تنطوي على صداقة طويلة الأمد، وهذا يدفع الهند إلى إيجاد طرق لمواصلة العمل مع روسيا مع ضمان أنها لا تقف في طريق العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، الشريك الوثيق بشكل متزايد للهند، بحسب  كوجلمان، الذي يعتقد أن صفقة تجارية بين الروبية والروبل هي طريقة محتملة للخروج من المأزق الدبلوماسي الذي تجد الهند نفسها فيه حالياً، حيث تسعى إلى تحقيق التوازن في العلاقات مع موسكو وواشنطن.

وأضاف مايكل كوجلمان أن الهند تعتمد اعتماداً كبيراً على الأسلحة الروسية، في وقت تواجه فيه تحديات أمنية على حدودها، ولديها رغبة قوية في الحصول على نفط روسي رخيص في وقت ترتفع فيه الأسعار العالمية بسرعة، لافتاً إلى أن المصالح المباشرة للهند، الأمنية والاقتصادية على السواء، تمنحها حافزاً قوياً للتوصل إلى اتفاق تجاري بين الروبية-الروبل مع موسكو.

من جهته ردد المفكر الاستراتيجي والمؤلف والمعلق البارز “براهما تشيلاني” هذه الآراء في تغريدة حديثة قائلاً: “حيادية الهند في المواجهة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي بشأن أوكرانيا لفتت انتباهاً كثيراً، ومع استمرار اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية، فإن صفقة نفط هندية محتملة مع موسكو تجذب الانتباه، على الرغم من أنها لن تنتهك العقوبات”.

تجدر الإشارة إلى أن التجارة بين روسيا والهند بلغت بين نيسان 2020 وآذار 2021، 8.1 مليار دولار، وفقاً لأرقام التجارة الهندية الرسمية. كما صدرت الهند 2.6 مليار دولار إلى روسيا، في حين أنها استوردت 5.48 مليار دولار. ما يعني أن تحسين العلاقات الاقتصادية والتجارية كان أولوية ثنائية رئيسية قبل الحرب في أوكرانيا، حيث أعلن كلا الجانبين عزمهما على زيادة التجارة الثنائية إلى 30 مليار دولار والاستثمار الثنائي إلى 50 مليار دولار بحلول عام 2025. وحالياً، تتكون صادرات الهند إلى روسيا أساساً من المنتجات الزراعية والمنتجات البحرية والمستحضرات الصيدلانية، بينما تتكون الواردات من روسيا بشكل أساسي من النفط الخام. وبالطبع هذه العلاقات الوثيقة لم ترق أبداً للمحللين والمعلقين الأمريكيين والأوروبيين، الذين انتقدوا الهند لمساعدتها روسيا في تفادي العقوبات ودعوا الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على نيودلهي. لكن الصحفي الهندي “تريش ريجان”، الحائز على العديد من الجوائز، رد عليهم في تغريدة قوية قائلاً: “إذا اشترت الهند النفط الخام الروسي، فيجب أن تتوقع أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات عليها. وصدقوني، لن ينجح الأمر جيداً بالنسبة للاقتصاد الهندي. الآن، الأمر بسيط أنت مع الولايات المتحدة، إذا أنت ضدنا”.