مذبحة دير ياسين.. بدء عملية التهجير المنظم
د. معن منيف سليمان
سجّلت عصابة الأرغون صفحة دموية مروعة في سجلها الحافل بالقتل والإرهاب، فارتكبت في قرية دير ياسين القريبة من القدس مذبحة بشعة أكدت أن وجود “إسرائيل” وتاريخها مرتبطان بالجريمة والإرهاب. ففي فجر التاسع من نيسان عام 1948، دخلت قوات عصابة الأرغون من شرقي القرية وجنوبيها، فيما دخل أفراد عصابة شتيرن من الشمال، لحصار القرية من كل جانب، عدا الجانب الغربي، ليفاجئوا السكان وهم نائمون.
ولمواجهة مقاومة الأهالي تمت الاستعانة بدعم عصابات البالماخ التابعة للهاغاناه، وبسادية مرعبة تم قتل معظم أهالي القرية التي كانت تضم نحو سبعمئة من العرب الفلسطينيين العزل بدم بارد، راح بعدها قادة العصابات يتبادلون التهنئة على ارتكاب المذبحة، التي قال فيها الإرهابي مناحيم بيغن: “لولا دير ياسين ما قامت إسرائيل”.
بدأت أحداث هذه المجزرة بعدما وضع قادة الصهاينة مخططاً لترحيل وإجلاء العرب الذين بقوا متشبثين بأراضيهم، وقد أرادوا أن تكون دير ياسين نقطة بداية لمسلسل القتل والتهجير للمواطنين العرب، لدفعهم إلى الهرب إلى الأردن بضغط الخوف والرعب.
ولم تكتف العناصر اليهودية المسلحة بإراقة الدماء في القرية، بل أخذوا عدداً من القرويين الأحياء بالسيارات واستعرضوهم في الشوارع والأحياء وسط هتافات الصهاينة، ثم العودة بالضحايا إلى قرية دير ياسين. وتم انتهاك جميع المواثيق والأعراف الدولية حيث جرت أبشع أنواع التعذيب، وكما روى مراسل صحفي عاصر المذبحة: “إنه شيء تأنف الوحوش نفسها ارتكابه.. لقد أتوا بفتاة واغتصبوها بحضور أهلها، ثم انتهوا منها، وبدؤوا تعذيبها فقطعوا نهديها، ثم ألقوا بها في النار”. ذلك لنعرف أعداء الإنسانية.
وفي مشاهد أخرى يتحدث بعض من كتبت له النجاة، فيذكر إن الصهاينة كانوا يمثلون بجثث القتلى ويقطعون أعضاءهم ويبقرون بطون الحوامل، ويشقون الضحايا من الرأس إلى القدم، وقد حملوا معهم مجموعة من الأسرى والنساء عاريات حافيات وطافوا بهم شوارع القدس ثم عذبوهم حتى الموت. فما أشبه ما قام به الصهاينة بدير ياسين بالذي قام ويقوم به الإرهابيون في بعض المناطق السورية، فكأن هناك شبكة مترابطة وتنظيم واحد وأوامر صريحة وواضحة تنطلق كلها من فلسفة وشريعة وعقيدة واحدة وضعها مدبر واحد بات واضحاً أنه يحمل الفكر الإجرامي الصهيوني.
زفي أنكوري، الذي أمر وحدة الهاغانا التي احتلّت دير ياسين بعد المذبحة، قدّم بيانا حول المذبحة نشر في صحيفة “دافار”، في 9 نيسان 1982: “دخلت من ستة إلى سبعة بيوت. رأيت أمعاء نساء مسحوقة، طبقاً للإشارات على الأجسام، لقد كان هذا قتلا مباشراً”.
كانت مذبحة دير ياسين عاملاً مهمّاً في التهجير الفلسطيني إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلدان العربية المجاورة لما سببته المذبحة من حالة رعب عند المدنيين. ولعلّها الشعرة التي قصمت ظهر البعير في إشعال الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948. وأضفت المذبحة حِقداً إضافياً على الحقد الموجود أصلاً بين العرب والإسرائيليين.
وبعد مذبحة دير ياسين، استوطن اليهود الصهاينة القرية، وفي عام 1980 أعاد الصهاينة البناء في القرية فوق أنقاض المباني الأصلية وأسموا الشوارع بأسماء إرهابيي الأرغون الذين نفّذوا المذبحة.
ولا شك أن الصمت الرسمي العربي تجاه ما يجري على أرض فلسطين، وضعف الإمكانيات عند مقاومي فلسطين، والتواطؤ العالمي، فضلاً عن الدعم البريطاني ثم الأمريكي للكيان الإرهابي في فلسطين، كل ذلك أسهم في ضياع فلسطين وشجع الإسرائيليين على الاستمرار في سياسة القتل والتهجير ضد الفلسطينيين حتى اليوم، وهذا ما يؤكد أن وجود “إسرائيل” وتاريخها مرتبطان بالجريمة والإرهاب.