“معروك” القناعة لا يهتم بالأبعاد
حلب – غالية خوجة
تزدحم طقوس رمضان في حلب، وترى الناس يحتفلون رغم بساطتهم ورغماً عن الغلاء الفاحش، ويتجولون في الأسواق ناظرين بعيون متحسرة إلى آلامهم، بينما، في مشهد مقابل، تغصّ مطاعم ومقاهي الشهباء بالرواد، ولا يمتلك البسطاء الفقراء، والعاطلون عن العمل، وكبار السن، سوى النظر إلى داخلها من خلال الزجاج، ربما ليروا أنفسهم كما في المرايا، فتفاجئهم ذكرياتهم القديمة، لكنهم يمضون تاركين خلف خطواتهم آثار ماضيهم وأيامهم القادمة الممسكة بأطراف ثيابهم وجيوبهم، لينفضوا ما راودهم عائدين إلى يومهم الواقعي.
من نافذة هذا اليوم، وعلى مساحة قريبة من تقاطع الشوارع وإشارات المرور المطلة على جسر تشرين، لفت نظري رجل قصير القامة، سعيد وهو يبيع “المعروك” على عربة، فاقتربت منه سائلة: بكم القرص؟ فأجابني بـ 2500 ليرة.
ما اسمك؟ وهل تعرف قراء “البعث” بك؟ وكيف لا تكترث بطول وعرض، وتبيع بضاعتك بفرح وثقة؟.
أجابني: محمد بصطيقي، سعيد بعملي وأحبه، ولا يهمني كما قلتِ الحجم، وأنا من عائلة مؤلفة من 10 أشخاص، درست للصف الثاني، ويكفي أن رمضان عاد جميلاً مثل حلب.
ثم ضحك وعاد لعمله، بينما أنا مضيت شاردة في الوجوه العابرة، متسائلة: لماذا بعضها يمنحك طاقة سلبية، وبعضها طاقة إيجابية؟ ربما القناعة هي السر المدبر لاحتياجات يومنا، وهو يعبر مردداً مقولة عيسى عليه السلام: “قوتنا كفاف يومنا”.