بعد تكرار العدوان وتكرار التجاهل .. ما فائدة الأمم المتحدة؟!
أحمد حسن
مرة جديدة يتفق القتلة، في سياق عدوانهم المستمر على الدولة السورية، على موعد واحد لإطلاق النار، ومرة جديدة تقف منظمة الأمم المتحدة – المستنفرة ضد روسيا هذه الأيام!! – صامتة أمام هذه العربدة التي مثّلت، ولا تزال، تهديداً صارخاً “للأمن والسلم الدوليين وخرقاً لمبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية” التي وُجدت هذه “المنظمة” بالدرجة الأولى للمحافظة عليهم لا لشيء آخر.
فبالتلازم مع عدوان “إسرائيلي” جديد على “بعض النقاط في المنطقة الوسطى من سورية”، كان المحتل التركي يواصل اعتداءاته في الشمال، فيما المحتل الأمريكي يواصل تدريب مجاميع جديدة من إرهابيي “داعش” في شمالها الشرقي بالتزامن مع مواصلته “نهب” الثروات الطبيعية والزراعية، من نفط وقمح، ودعم الانفصاليين لاستخدامهم في مخططه التخريبي للبلاد، والمفارقة، الفاضحة، في الأمر أن هذه “الاعتداءات” تتمّ علناً خارقة كل مبادئ الشرعية الدولية وقوانينها، فيما تتقيّد سورية في ردودها بالوسائل السياسية التي أقرّها الميثاق الأممي ذاته، كما أنها لا تطلب – والمثال هنا من احتجاجها الرسمي على العدوان الإسرائيلي الأخير – في مواجهة هذا العدوان المستمر الذي “بات يصل إلى مستوى العدوان الممنهج والنمطي”، سوى التدخل الفوري “من الأمانة العامة ومن مجلس الأمن من أجل حماية وصون اتفاق فصل القوات وفض الاشتباك الموقع في جنيف بتاريخ الـ 31 من أيار 1974 وبرعاية الأمم المتحدة وحضور ممثلين عن حكومات دول دائمة العضوية في مجلس الأمن وهو الاتفاق الذي ينص في فقرته الأولى على وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو”.
لكن التزام سورية العلني بمبادئ الأمم المتحدة وشرعتها وقوانينها ووسائلها السياسية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، لا يواجه إلا بالتجاهل التام من “المنظمة”، فيما خروج هذه الدول، العلني أيضاً، على كل ما سبق، يمرّ دون حساب أو عقاب – في أحسن الأحوال يعرب الأمين العام عن “قلقه” و”أسفه” – وتلك المفارقة، في هذه “العلنية” وذاك الاكتفاء بـ “القلق”، هي ما يضع مصداقية الأمم المتحدة وفاعلية هيئاتها وأجهزتها المختصة على المحك، خاصة وأن هذه “المفارقة” لم تعد تقتصر على الحالة السورية فقط، بل أصبحت تطال كل الدول التي لا تدور في الفلك الأمريكي، الأمر الذي ساهم في تعزيز طرح جدّي لسؤال – بدأ يتكاثر عدد من يتبناه – عن جدوى هذه “المنظمة” التي أنجبتها الحرب العالمية الثانية لتحفظ، مع مجلس أمنها الدائم، السلم العالمي وفق قواعد محددة لكنها لا تقوم بذلك، وقراراتها التي أصدرتها مثلاً بشأن الاحتلال “الإسرائيلي” لفلسطين وأراض عربية مختلفة والتي لا زالت دون تنفيذ رغم مرور عشرات السنين عليها، خير دليل على ما سبق.
وإذا كانت أحداث وحالات سابقة قد أثبتت أن هذه “المنظمة” أضحت جزءاً من الماضي، وتدار بعقليّة حولتها من منظمة تُعنى بالشأن العالمي من حرب وسلم وما بينهما، إلى مجرد مكتب علاقات عامة دولي غارق في “وحول” بيروقراطية قاتلة، إلا أن الوقائع اللاحقة والمتتالية تثبت يومياً أن الأمر أبعد وأخطر من “بيروقراطية” يمكن التعامل معها أو تحمّل تبعاتها، فما دامت مكاتب “المنظمة” في نيويورك و”عقل” أمينها العام و”إرادته” في البيت الأبيض، فإن قراراتها الحاسمة ستصدر، وهي تصدر، من واشنطن حصراً، وتلك حقيقة لا بد من الإقرار بها، ولا ينفع نكرانها في شيء، ما يقتضي، من الدول المتضررة، وهي كثيرة جداً وفاعلة أيضاً وتضم أغلب سكان الكوكب، إما الإصرار على إعادة بنائها على أسس جديدة، تكفل وجود آليات عمل مناسبة وفاعلة لعصر جديد، أو إلحاقها بأختها الكبرى “عصبة الأمم”، على مبدأ “إكرام الميت دفنه”، عبر خلق منظمة موازية تكون منظمة حقيقية وفاعلة لأمم متحدة ..وحرة أيضاً.