الولايات المتحدة تفشل في عزل روسيا
ريا خوري
حاولت الولايات المتحدة الأمريكية مراراً جرّ الهند إلى صفّها والمشاركة في العقوبات القاسية جداً المفروضة على روسيا، لكنها لم تتمكّن على الرغم من إغرائها بتنويع مصادرها من الطاقة والدفاع وما تنتجه من تكنولوجيا.
اللافت أن ما قدمته الولايات المتحدة من إغراءات ترافق مع تحذيرات مشدّدة للهند إن لم ترضخ للضغوط الغربية الأوروبية- الأمريكية، وذلك خلال زيارة قام بها إلى نيودلهي داليب سينغ، كبير مخططي العقوبات في الولايات المتحدة، قبيل وصول سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي قادماً من العاصمة الصينية بكين.
لقد حاولت الولايات المتحدة اللعب مراراً على حبل الخلافات بين الصين والهند في محاولة لاستثارة نيودلهي والانضمام إلى العقوبات القاسية المفروضة على روسيا بقولها إن الهند لا يمكنها الاعتماد على جمهورية روسيا الاتحادية في الدفاع عنها في حال انتهكت جمهورية الصين الشعبية خط المراقبة مع الهند. ويريد المسؤول الأمريكي داليب سينغ أن يقول للهند إن روسيا ليست حليفاً استراتيجياً يمكن الاعتماد عليه، وكأن الولايات المتحدة تعتبر حليفاً استراتيجياً مضموناً، وهي التي تخلّت عن كل حلفائها وقت الشدة وتركتهم في أحلك الظروف لمصيرهم!.
المهمّ أن الوزير لافروف زار الهند قادماً من جمهورية الصين، والتقى كبار المسؤولين فيها، وأكد عمق الصداقة ومتانتها بين البلدين، وأشاد بموقف الهند الواقعي والموضوعي بشأن الوضع في أوكرانيا، إذ امتنعت الهند عن التصويت على قرارات في الأمم المتحدة بفرض عقوبات على روسيا، تماماً كما فعلت الصين التي أشاد بها لافروف، معتبراً أنها جزء مهمّ وقويّ من نظام عالمي جديد عادل متعدّد الأقطاب يمكن أن يساهم في قيادة العالم، مؤكداً وجود شراكة غير محدودة بين الصين وروسيا، في حين أكد وانغ يي وزير الخارجية الصيني أن العلاقات مع روسيا قوية ولا حدود لها.
من جهتها، أكدت الهند حيادها تجاه الأزمة الأوكرانية بشكلٍ واضح وصريح، رافضة الامتثال للضغوط الأمريكية والغربية، وتحديداً دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) من خلال سوبرامانيام جايشانكار وزير خارجيتها الذي شدَّد على ضرورة وقف العنف بكل أشكاله، وإنهاء الأعمال العسكرية، وحلّ الخلافات والنزاعات القائمة من خلال الحوار السياسي بين الطرفين واستخدام الطرق الدبلوماسية، واحترام القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وسيادة الدول وسلامة أراضيها والحفاظ على سيادتها. لكن هذا الموقف الصريح والواضح الذي اتخذته الهند لا يُرضي الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو، فهي تريد من الهند الانخراط في العقوبات المفروضة على روسيا، وألا تكون نافذة إلى جانب الصين للالتفاف على العقوبات، وتحقيق المحاولات اليائسة لعزل روسيا عن العالم. وفي حقيقة الأمر، ما زالت جمهورية روسيا الاتحادية على علاقات متينة مع معظم دول العالم، وما تروّج له السياسة الأمريكية والغربية، ومعها آلة الإعلام الضخمة، لعزل روسيا عن المجتمع الدولي ليس صحيحاً على الإطلاق، كما تردّد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. فالعقوبات محدودة في الواقع بدول الناتو وحلفائها المقربين جداً، مثل كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا، في حين أن أكثر من ثلث سكان العالم الذين يقتربون من نسبة خمسة وثلاثين بالمائة ممثلين في الصين والهند وحدهما، إضافة إلى عدد كبير من الدول الأخرى، يرفضون العقوبات ولا يمتثلون لقرارات الولايات المتحدة والدول الغربية.
من جهتها، تحاول جمهورية روسيا الاتحادية، الآن، الردّ بقوة على العقوبات المالية والاقتصادية بأن تكون مبادلاتها التجارية، خصوصاً بالنسبة للغاز والنفط، بعيداً عن الدولار الأمريكي، حيث تسعى القيادتان في روسيا والهند إلى وضع آلية دفع بالروبية الهندية والروبل الروسي وهي آلية مدروسة بإحكام.