“بلط البحر”
من جديد نرى أن هناك حاجة ماسة، وربما ملحة، لتغيير نمط التفكير وآلية التعاطي مع المتغيّرات اليومية والحالات الطارئة والمستجدة، واجتراح الحلول الناجعة لمختلف الأزمات الاقتصادية والمعيشية والتي باتت مصدر قلق وخوف مستمر من القادم.
وربما نتفق أو لا يتفق البعض -وهم قلة- بأن العقم الحاصل في المعالجات والتي غالباً ما تكون قاصرة، مردّه اجتزاء الحلول وإصدار القرارات الفضفاضة، والتي تعطي هامشاً أوسع للإفادة من تداعيات ومفرزات أي أزمة اقتصادية ومعيشية، وهي حقيقة وواقع نعايشه يومياً مع اتساع دوائر الفساد الإداري والمالي وغياب المحاسبة والمساءلة والتغاضي عما يحدث من تجاوزات وتعديات على الأنظمة والقوانين، ولنا في مشهد الأسواق اليومي، المضطرب والملتهب بأسعاره، مثال حيّ لما آلت إليه الأمور المعيشية من واقع مرير وقاسٍ، نتيجة الانفلات غير المسبوق في الأسعار والتي بلغت حداً لا يمكن احتماله.
في هذا المشهد الذي أصبح مألوفاً، ثمّة أكثر من حلقة مفقودة، وأغلب الظن أن الأمر يرتبط بالجانب الخططي وفي التباعد الذهني والمعرفي في التعاطي مع الأزمات والحالات الطارئة غير المحسوبة، وفي إدارة الملفات الملحة والساخنة، وهو ما يفسّر حالة التخبط الواضحة في إجراء المقاربات واتخاذ القرارات والتي غالباً ما تتسم بالارتجالية والتفرد، ونحصد نتائجها السلبية والعكسية، وهو ما أشرنا إليه سابقاً وحذرنا من مخاطر مفاعيلها سلباً على طبيعة أي عمل!.
والثابت في هذه المعادلة أن كل ما اتخذته وزارة حماية المستهلك ومديرياتها في حلب تحديداً من إجراءات لضبط الأسواق والأسعار حتى الآن لم يغيّر من الحال شيئاً، بل على العكس زاد الأمر سوءاً، وانتعشت السوق السوداء بصورة غير مسبوقة، إذ أصبحت السوق السوداء البديل الأكثر تداولاً لأي سلعة مدعومة أو غير مدعومة، كالخبز والزيت النباتي والمازوت والبنزين والكثير من المواد الأساسية. وعلى ذكر البنزين فإن قرار المديرية المركزية للمحروقات بتمديد رسالة شراء البنزين ثلاثة أيام إضافية كإجراء “مؤقت” -حسب تأكيدها- زاد الطين بلة، ورفع سعر المادة بالسوق السوداء مجدداً إلى أكثر من 7 آلاف ليرة، مع الإشارة إلى أن رسالة البنزين وفق القرار الجديد تجاوزت مدتها 15 يوماً، وهذا يعني أنه متاح لك شراء المادة مرتين كل شهر فقط بدلاً من أربع مرات.
على العموم، قائمة المشكلات والأزمات، خاصة المفتعل منها تطول، إلا أن المشكلة الأكبر والأكثر تأثيراً تكمن في بعض الإجراءات غير البريئة، والتي توسّع من رقعة البازارات والسمسرة والمنفعة في الأسواق السوداء، وهو ما يحدث يومياً وفي وضح النهار و”على عينك يا تاجر”، وما عليك إلا أن “تبلط البحر”، وهي بالتأكيد مقولة ونغمة نشاز، إلا أنها الأكثر شيوعاً وتداولاً على لسان المتاجرين بقوت المواطن في ظلّ قصور الإجراءات الرادعة والتغاضي عما يجري بقصد أو غير قصد!!.
معن الغادري