سفينة الصحراء بلا “ربان” يحميها.. وصبر الجمال لم يشفع لها ولمربيها!
تناقص أعداد الابل ليس المشكلة الوحيدة التي يعاني منها من يعملون في تربيتها، بل غياب الأسواق المستجرة للحم والحليب، وصعوبة تحويل الإدرار “الحليب” إلى ألبان وأجبان، أيضاً مشاكل تزيد من المعاناة، إضافة للجفاف الذي تعاني منه المنطقة، والذي يمثّل أزمة كارثية على كل مناحي الحياة، ورغم محاولات الهيئة العامة للبحوث الزراعية إنقاذ تربية الجمال، لم تتعد جهودها مصفوفات التقارير والأبحاث، لتبقى الابل كغيرها من القطعان النادرة في بلادنا مهددة بالزوال، وتربيتها فقط للحفاظ على الموروث.
إهمال واضح
للإبل طاقة إنتاجية كامنة لم تستغل بالشكل الأمثل، ولم تطبق عليها الدراسات الحديثة التي أجريت على غيرها من الحيوانات الزراعية الأخرى، وبحسب المهندس موفق عبد الرحيم رئيس محطة بحوث الإبل بدير الحجر فإن قدراتها الإنتاجية كمصدر لتطوير الموارد الغذائية في المناطق الجافة وشبة الجافة قد أهملت بشكل كامل، الأمر الذي انعكس سلباً على دورها في تحسين مستوى دخل ومعيشة سكان تلك المناطق، وفي حديثه لـ “البعث” بيّن عبد الرحيم أن تفاقم مشكلة الغذاء في العالم دفع الباحثين والعلماء للاهتمام بالإبل من ناحية الحليب، واللحم الذي يعتبر أرخص كلفة من إنتاج جميع الحيوانات الزراعية الأخرى، ورغم الظروف الصعبة في المناطق الجافة “نقص الموارد العلفية ومصادر المياه” فإن الإبل تستطيع أن تعيش وتنتج الحليب الذي يعتبر في تلك المناطق من الأمور الهامة جداً لحياة سكان البوادي، بينما لا تستطيع الحيوانات الأخرى العطاء بالكفاءة نفسها، وبحسب إحصائيات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي فقد تراجع عدد الابل من /50200/ رأس في الـ 2010 إلى /39700/ رأس في الـ 2022، تتوزع تربيتها في بادية السويداء وريف دمشق وحمص وحلب ودير الزور والرقة والحسكة، حيث يلاحظ انخفاض أعدادها بسبب تهريبها خارج القطر، أو ذبح عدد كبير منها نتيجة الحرب، وفي هذا السياق أشار المهندس عبد الرحيم إلى أن الأعداد الكبيرة المتواجدة في الدول العربية هي السلالة نفسها الموجودة في سورية “الابل الشامية وحيدة السنام”.
منتج غير مطلوب
غالبية قطعان الابل تربى وفق النمط الرعوي الـذي يصعب فيه التطوير التقني والصحي الضروري لرفع إنتاجية القطيع وزيادة العائد الاقتصادي، وبحسب عبد الرحيم فإن المعاناة الوحيدة التي يعاني منها المربون هي قلة المراعي، وصعوبة تأمين الأعلاف في المواسم قليلة الأمطار أو الجافة، متمنياً تشجيع التربية بنظام الرعاية شبه المكثف ونظام التسمين لأنها جديرة بالاهتمام، واتباعها يساهم باستثمار القدرات الإنتاجية للابل بأفضل وجه، مع أن الابل حيوانات ذات كفاءة عالية في تحويل الأعلاف إلى لحم عندما تربى تحت ظروف تغذية جيدة، فلا أسواق تستجره باستثناء الجزارين، علماً أنه مطلوب بشكل كبير، وتعادل قيمته قيمة لحم الغنم في مناطق كثيرة، وحال اللحوم ليس أفضل من الحليب، فمع عدم وجود أجهزة تبريد في البادية، إضافة لقلة الإنتاج، يصعب التحويل لألبان وأجبان، وغالباً يستهلك طازجاً، وفي بعض الدول يستهلك مبستراً، ويستخدم حليب الابل لرفع مناعة الجسم للأشخاص المصابين بكثير من الأمراض، لوحده أو خلطه بأنواع أخرى، حيث يبلغ متوسط إنتاج الناقة اليومي بين 3- 7 كغ، ومدة الإدرار من 8- 12 شهراً.
محطات خارج الخدمة
وعن محطة بحوث دير الحجر أشار رئيس إدارتها إلى نقل عدد من الحيوانات من محطة وادي العزيب، وشراء عدد من رؤوس الابل من مربي الابل ذات المواصفات الجيدة، وبعد أن كان عدد الحيوانات حوالي /25/ رأساً، تطور بشكل جيد ووصل إلى/173/ رأساً عام 2022، في وقت يتم سنوياً توزيع عدد من ذكور التلقيح والنوق المحسنة على مربي الابل لتحسين قطعانهم عن طريق نشر المورثات الجيدة بأسعار تشجيعية.
واعتبر المهندس عبد الرحيم محطات بحوث الابل: (دير الحجر- وبحوث السلمية) المكان الذي يلجأ إليه المربي في كل المشاكل التي تعترضه، وهذا على حد تعبيره شجع المربين، رغم غياب أية إحصائية تشير لأعدادهم، للاهتمام بتربية الابل لما لها من دور كبير في دعم الاقتصاد الوطني، وفي ظل خروج محطات: “بحوث الشولا بدير الزور- وبحوث قصر الحلابات بتدمر- ومحطة بحوث وادي العزيب بالسلمية) عن الخدمة، بلغ عدد رؤوس الابل الشامية في المحطتين المفعلتين حوالي /300/ رأس.
استراتيجية البحوث
وتتمثل التوجّهات الاستراتيجية للهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، إدارة بحوث الثروة الحيوانية في مجال بحوث الابل، بالحفاظ على الأصول الوراثية وتحسينها وراثياً وإكثارها وإعادة نشر عدد منها على المربين، والمشاريع التنموية لتحسين قطعانهم، وقد اعتمدت الإدارة بحسب عبد الرحيم لتحسين إنتاجية الابل على البرامج الوطنية البحثية، وركزت على التحسين الوراثي للإبل من خلال السجلات التربوية والتناسلية والإنتاجية والصحية، وتحسين طرائق رعاية وإيواء الابل، ودعم البنى التحتية، وترميم وصيانة الحظائر في المحطات المتواجدة بالخدمة، والتوسع ما أمكن في بناء حظائر جديدة، وتفعيل المحطات التي تعود للخدمة بالتزامن مع تحسين ظروف تغذية الابل، والعمل على دراسة الاحتياجات الغذائية محلياً، والبحث عن مصادر علفية غير تقليدية، واستخدام وتحسين القيمة الغذائية للمخلفات الزراعية والتصنيع الغذائي، وفيما يتعلق بتطوير الرعاية التناسلية للابل، بيّن رئيس المحطة أنها تتم من خلال إدارة التناسل لتطوير الأداء التناسلي، واستعمال التقانات العلمية الحديثة، والتركيز على الرعاية الصحية بكافة جوانبها.
أبحاث وتجارب
وأشار عبد الرحيم إلى قيام البحوث الزراعية بعدة تجارب لتحسين المخلفات الزراعية، واستخدامها في تغذية الابل، وتحديد النسب الأمثل في المراحل العمرية، والمراحل الفيزيولوجية المختلفة للابل، حيث أجرت عدة دراسات في مجال تحديد مواصفات حليب الابل الطبية والعلاجية، وإمكانية تصنيعه والمتبقيات فيه بالتوازي مع بحوث تتعلق بالمواليد، وإمكانية استخدام بدائل الحليب لتغذية المواليد، وتوفير كميات الحليب المنتجة في المجالات الطبية والعلاجية، وتوصيف منحنى النمو عندها، وحاولت الهيئة إجراء تجارب لتحديد الموعد الأمثل لتلقيح إناث الابل، ودراسة السائل المنوي، وإمكانية استخدام التلقيح الاصطناعي وتحديد بعض المعايير الفيزيولوجية والتناسلية، ودراسات عديدة تتعلق بالصحة الحيوانية من جهة دراسة أمراض الابل، خاصة أسباب نفوق المواليد، وتسعى هيئة البحوث مستقبلاً لتحديد البصمة الوراثية للابل الشامية.
مطالب وأمان
وكباقي القطاعات فإن تربية الابل تحتاج لدعم حكومي حتى تستمر، خاصة أنها على حافة الهاوية، وهذا ما يأمله المربون لجهة تأمين المقننات العلفية عن طريق المؤسسة العامة للأعلاف، وتوفير اللقاحات والأمصال والأدوية الخاصة بالابل مجاناً، إضافة لإعادة تفعيل الجمعيات التعاونية الخاصة بالجمال، وإنشاء شبكات للمربين، وذلك لسهولة نقل الخبرات والتجارب والمادة الوراثية بينهم، مع ضرورة ترقيم قطيع الابل لحصر أعدادها بشكل دقيق، وزيادة أعدادها عن طريق استيراد عدد منها لدعم القطيع الوطني، حيث لا يوجد استيراد أو تصدير للابل حالياً ولا لمنتجاتها، بحسب ما علمنا من رئيس محطة دير الحجر.
نجوى عيدة