تحت مسمى “اقتصاد البيانات”.. “الدفع الإلكتروني” يوسع آفاق الاستثمار في الأصول غير الملموسة
دمشق – رامي سلوم
ينتظر مراقبون وخبراء مصرفيون مخرجات اقتصاد مالي حقيقي تمرّ عبر البنوك السورية، بعد إطلاق المصرف المركزي السوري خدمات الدفع الإلكتروني للبنوك في وقت سابق، وما تتيحه الأدوات الإلكترونية المصرفية من إمكانات تحقق مزيداً من الاستفادة من تلك الخدمات وتوفر قنوات لأرباح إضافية تدعم خدمات البنوك وميلها للتوظيف ورفع أجور العاملين، فضلاً عن استفادة إضافية للمتعاملين من خلال المخرجات المهمّة التي قد تتيحها التحولات الرقمية في المجال.
ويأتي هذا الانتظار بعد أن بدأت بنوك العالم والمنطقة اليوم التحوّل لما يعرف بـ “المصرفية المفتوحة” التي تمكّن المتعاملين من إدارة حساباتهم إلكترونياً، والاستفادة من توجيهها التوجّه الأمثل لتحقيق أرباح إضافية لهم، ومنها استثمار البنوك في البيانات الشخصية للمتعاملين، والتي تعتمد على الاستثمار في البيانات بوصفها أصولاً قابلة للتداول، بعد موافقة المتعاملين والوقوف على الطريقة التي يسمح للبنك الاستفادة من تلك البيانات في إصدار الدراسات البحثية أو توفيرها للراغبين من الشركات والمؤسّسات برسوم يستفيد منها العميل شخصياً بالإضافة للبنك.
وتتصدر خصوصية البيانات الشخصية وأمنها قائمة الأولويات عند مناقشة اقتصاد البيانات الشخصية، حيث تولي البنوك مسألة الخصوصية وكيفية جمع البيانات وإدارتها وتخزينها ومشاركتها مع أي طرف ثالث اهتماماً كبيراً، ويجري ذلك كله في ضوء الامتثال لكل قوانين الخصوصية والحماية المعمول بها، بما في ذلك اللائحة العامة لحماية البيانات.
الاستثمار في البيانات
ويوفر الاستثمار في البيانات، وفقاً للمعلومات المتاحة عن أساليب وطرق الاستثمار، عائداً جيداً للمتعاملين، وخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، والحاجة لتعزيز الدخل بما يلبي الاحتياجات في ظل التضخم العالمي الواسع لأسعار السلع والخدمات وانعكاسه المباشر على أسعار المواد في سورية وتضخمها، حيث يمكن للمتعاملين تحقيق مزيد من الأرباح خارج إطار الفوائد المصرفية الاعتيادية من خلال السماح باستخدام بياناتهم وفق الصيغة التي تلائمهم، حتى من حيث نوع الشركات والخدمات التي تقدمها.
كما ستدعم تلك الأدوات توافر السيولة في البنوك، بسبب الاستفادة والقيمة المضافة التي تحققها للعميل من دون الاضطرار للقرارات القسرية التي تتعلق بتحويل السيولة عبر البنوك، أو ميل الأشخاص للاحتفاظ بأموالهم في المنازل للتخلص من الإجراءات المعقدة، وشروط تحديد سقوف السحب اليومية، وامتلاكهم الديناميكية في تحويل الأموال إلى أصول في حالات التحولات المالية الواسعة والتضخم وتأثيره على القيمة الشرائية للأموال.
ويسمح للمتعاملين وفق الصيغة الجديدة للبنك، بالاستفادة من بياناتهم لتوفير معلومات حقيقية عن السوق لشركات معينة محدّدة التخصص في حال عدم رغبتهم في إشاعتها، أو الاستفادة منها في أمور قد لا تناسبهم على الرغم من أن تلك البيانات تبقى محتفظة بالخصوصية، ويتمّ الاستفادة منها في المعادلات التجارية والاستثمارية وحدها، وضمن بيانات مجمعة ليست فردية.
فكرة إبداعية
وفي الوقت الذي شجّع فيه خبراء ومحللون محليون على تبني الأفكار الخلاقة والمبدعة في الاقتصاد المالي، رغم عدم تفاؤلهم الواسع بقدرة البنوك المحلية على إطلاق الخدمات المبتكرة ومنها الاستثمار في البيانات في الوقت الحالي على الأقل، لعوائق تخصّ واقعية البيانات وحداثتها، ومدى ترابطها للوصول إلى نتائج مفيدة، بدأت بنوك في المنطقة الاستثمار بالبيانات الخاصة بالمتعاملين، والتي اعتبرتها “أصولاً” قابلة للتداول، يوفر استثمارها بالشكل الصحيح فائدة مالية للبنك والمتعامل في آن معاً.
في هذا الشأن، اعتبرت الباحثة الأكاديمية رشا سيروب، أن الاستثمار في البيانات فكرة خلاقة تحتاج إلى مزيد من الربط والتشابك بين قطاعات البيانات المالية ومنافذ الإنفاق وغيرها، لرسم صورة واقعية حول حركة هذه الأموال وتوجهات المتعاملين، وحول معطيات بيانات الدفع الإلكتروني في حال نجاح انتشارها، لاستخدامها من قبل المواطنين والأسواق في الوقت نفسه بديلاً عن “الكاش”.
وأوضحت سيروب أن الانتقال للأفكار الإبداعية والاستثمار في البيانات المالية بحاجة إلى توافر البيانات الدقيقة والمحدثة بشكل دوري، حيث أظهرت تجارب سابقة عدم وضوح البيانات وضعف مصداقيتها، لافتة إلى أن الاعتماد على بيانات غير واضحة أو دقيقة سيؤدي لنتائج غير دقيقة بدوره، فضلاً عن أهمية توافر مختصين في تحليل واستنباط المعلومات المطلوبة، من حيث الحاجة والبحث عن البدائل الاستثمارية، معتبرة أن البيانات الصمّاء عن مجالات الإنفاق وحدها تشكل مؤشراً واحداً ضمن جملة من المؤشرات المطلوبة التي لا بد من تحليلها بدقة لربط المعلومات والوصول إلى عوامل الحاجة الحقيقية للمتعاملين وحركة الاقتصاد للاستثمار فيها، وإيجاد استثمارات جديدة ومبتكرة يحتاجها المجتمع بشكل فعليّ.
مؤشرات الاستثمار
كما أكد الخبير في إدارة المخاطر ماهر سنجر أن اعتماد البيانات بوصفها أصولاً قابلة للتداول يندرج ضمن معايير الأصول غير الملموسة والاستثمار في المعلومات، وهو من أهم جوانب الاستثمارات العصرية، لافتاً إلى أن حاجة الاستثمار للبيانات أصبحت ملحة في ظل التغيرات الحالية، مع دعمها بالشفافية والتوجهات الاستراتيجية لتشكيل رؤية توجّه الاستثمار ورؤوس الأموال اختيارياً للطرق المطلوبة.
واعتبر كلّ من سنجر وسيروب أن وجود بيانات حقيقية وبناء دراسات عليها سيدعم حركة الإبداع والابتكار، ويوفر حلولاً لدعم الصادرات من خلال المنتجات المبتكرة غير المكررة، ما يخلق مزيداً من التنافسية، ويدخل مزيداً من القطع الأجنبي إلى البلاد لخصوصية المنتج والحاجة إليه في بقية الدول باعتباره منتجاً مبتكراً.
مؤشرات انتقائية
وحذّر سنجر من تبني المؤشرات الانتقائية في توجيه الخطط والدراسات، والاعتماد على البيانات المنقوصة وغيرها من الأساليب غير الصحيحة، لافتاً إلى أن عملية تسجيل البيانات ومقارنتها، تحتاج إلى آلية صحيحة تعتمد الأساليب العلمية المنهجية في الجمع والتحليل والوصول للنتائج، خاصة وأن توجيه رؤوس الأموال في غير محلها، سيزيد من أزمة السيولة بدل معالجتها والوقوع مجدداً في فجوة انعدام الإنتاجية أو ضعفها. وأكد سنجر أهمية تقنين إجراءات استخدام البيانات وإيجاد الصيغة القانونية الضرورية والملائمة، فضلاً عن حماية تلك البيانات ومعرفة أي منها يتمّ استخدامها لتلبي الاحتياجات والإبقاء على باقي البيانات التي قد لا تشكل أثراً حقيقياً في عملية اتخاذ القرار مثل البيانات الشخصية وغيرها.
وفي السياق نفسه، مكّنت البنوك المبادرة للاستثمار الجديد في المنطقة المتعاملين من الاطلاع على كيفية إدارة بياناتهم الشخصية بوصفها أصولاً يمكنهم الاستفادة منها، وأتاحت لهم إمكانية استخدام بياناتهم الشخصية ضمن ما يُسمّى بـ”اقتصاد البيانات الشخصية”، لتحقيق عوائد مادية مجزية، وذلك عن طريق تمكين البنك من تجميعها وتخزينها وإدارتها وفق أعلى مواصفات الحماية وأمن البيانات الشخصية.
ويعتبر الاستثمار الجديد إدراكاً للوعي المتزايد بشأن البيانات الشخصية بوصفها أصلاً، خصوصاً مع الحاجة المتزايدة للمؤسّسات لتوافر تلك البيانات والبناء عليها في الخطط الاستثمارية، وتوجيهها بالطريقة المثلى التي تلائم المتطلبات المتغيّرة والعصرية للأفراد، وبما يتماشى مع الرغبة المتزايدة للأفراد في معرفة كيفية استخدام بياناتهم وتحقيق الدخل منها، ومع اقتصاد المستقبل.