الفن حالة رقي وسمو
سلوى عباس
شكّلت الأعمال الاجتماعية حضوراً كبيراً للموسم الدرامي السوري الحالي، وهذا دليل صحة، فالمتغيّر في حياتنا هو الذي يجب التركيز عليه، وتتنوع هذه الأعمال من حيث المضمون بين مواضيع الحب والوجدان والفساد والمافيا والهموم اليومية والتفاوت الطبقي، مع بقاء الحرب على سورية كخلفية واقعية للأحداث في غالبية هذه الأعمال، فتنعكس آثارها برؤى مختلفة، ولكن لا أدري ما العبرة من حالة العنف التي تتضمنها أعمالنا الدرامية، إذ أنه يشكّل القاسم المشترك في أكثر مسلسلات هذا الموسم الرمضاني حتى في الأعمال التي تشدّنا بموضوعاتها وتستأثر بمتابعتنا لها، فأخذ يشكل ظاهرة تحتاج التوقف عندها، وربما يعود الأمر إلى سببين اثنين قد يتجلى الأول بالإجماع على أن مرآة الدراما تعكس العنف على صفحتها، وربما يكون هناك أمر آخر لطغيان العنف هو أن شيئاً انعكس علينا باللاوعي، وهذا دليل واضح على سوء الحالة الاجتماعية والنفسية التي يعيشها مجتمعنا بحكم الأزمات المتعددة التي طرأت عليه في العقود الثلاثة الأخيرة، وغيّرت مسار تفكيره واهتماماته، واختلفت فيها معاييره الأخلاقية والقيمية تحت مسمّى الحداثة، الأمر الذي يطرح مجموعة كبيرة من الأسئلة الجوهرية التي طرحتها دراما هذا العام بكثير من الجرأة، وقد تستمر لمواسم درامية قادمة، فمجتمعنا يتحول نحو شيء من العنف ربما بسبب الحاجة، أو الضجر، أو انعدام الأمل، وتؤثر هذه الظاهرة تأثيراً مباشراً على الأطفال والمراهقين إلى درجة أصبحت فيها الحاجة لمشاهد العنف بالنسبة لمنتجي ومخرجي البرامج والمسلسلات الدرامية التلفزيونية كالملح في الطعام، إذ وجدوا في تلك المشاهد عناصر أساسية لتسويق بضاعتهم وأسلوباً مهماً لتشويق جمهور الأطفال لمضامين أعمالهم، لكن الفن ليس تصويراً للواقع حتى لو كان فيه عنف، بل الفن يبحث عن معادلات توصل الرسالة بلغة فنية، والعنف لا يمكن أن يكون عنصر تشويق، بل على العكس قد يكون عنصر نفور إذا لم يكن وجوده مبرراً وموظفاً توظيفاً يخدم الفكرة المراد طرحها، وربما نجد خللاً مجتمعياً من حيث التأثير، واتساع الهوة بين الأجيال، كما نرى أعمالاً تقدم أشكالاً وقيماً سلبية أو جديدة للأسرة، وبالتالي يذهب كل فرد باتجاه مغاير للآخر، لتتباين الاتجاهات ويتعمّق الخلاف حول مضمون هذه الأعمال، وقد يسبّب هذا الاختلاف انهيارات فكرية وثقافية بين أبناء الأسرة الواحدة، لكن المشكلة الأكبر أن جمهورنا لا يدرك ثقافة الاختلاف ما يؤدي إلى تبني الأفكار السلبية من قبل الشباب الذين يجهلون مصالحهم، ولا يدركون إلى أين تأخذهم هذه المواقف، لذلك بات المطلوب من الدراما أن تقوم بدور فعّال في تصحيح المفاهيم والمساهمة في عرض القضايا الراهنة وتوضيح سبل العلاج من خلال مواقف حياتية اجتماعية، تُخرجها من حيّز التسلية والترفيه إلى حيّز الإصلاح والتطوير، وعليها تبني رسالة قيمية أخلاقية تتناسب مع ما نشأنا عليه وتمثلناه في حياتنا وسلوكياتنا، فالدراما سلاح ذو حدين علينا الانتباه إلى انعكاساته السلبية والإيجابية حتى نكون منصفين في تقييم هذا الفن الذي استأثر باهتمام شريحة كبرى من المجتمع.. فيا كتّاب الدراما وصنّاعها.. الفن حالة رقي وسمو، فلتكونوا بمستوى هذا الرقي ولترأفوا بحال الناس ومعاناتهم وتقدموا عبر هذا الفن النبيل حوارات حول مستقبل سورية وغدها، حوارات راقية تمثل الشرائح كلها، وتطهر المجتمع من آثامه، ولتتوقفوا عن إنتاج القبح بحجج غير مقبولة ولا منطقية، واتقوا الله بالمشاهد السوري الذي يستحق إبداعات أدبية وفنية ترقى لمستوى ثقافته وتاريخه.