“الناتو” ليس مؤسسة دفاعية
عائدة أسعد
لم تكن تصريحات الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ بشأن الصين في المؤتمر الصحفي الذي أعقب اجتماع وزراء الخارجية في الناتو عدائية واستفزازية فحسب، بل تحدّت الحقائق على الأرض، حين ألقى باللوم على الصين لكونها “غير راغبة في إدانة العدوان الروسي”، دون أن يذكر أن العديد من الدول الأخرى مثل الهند وجنوب إفريقيا وفيتنام اتخذت الموقف نفسه أو موقفاً مشابهاً، وهي الدول التي تحافظ على علاقات جيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا، وتأمل في حلّ الصراع من خلال الحوار والوسائل الدبلوماسية، بينما في المقابل كان الناتو بقيادة الولايات المتحدة يؤجّج النار!.
إن الصين على عكس ما ادّعى ستولتنبرغ، دعت إلى احترام السيادة الوطنية وحثّت على وقف التصعيد، لكن كان من الواضح تماماً منذ البداية أن الناتو ليس بريئاً في الصراع الحالي. وما يؤكد ذلك جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية بالولايات المتحدة، عندما ألقى باللوم على التوسّع الطائش لحلف شمال الأطلسي على مدار ثلاثة عقود، بالإضافة إلى الثورة الملونة التي خطّطت لها الولايات المتحدة كونها السبب الرئيسي للصراع الحالي، وقال خلال محاضرة: “نتيجة لذلك فإن الأوكرانيين هم أكثر من عانى”. ومن وجهة نظره، كانت الولايات المتحدة تدير العرض بينما لا يفعل الأوروبيون وحلف شمال الأطلسي سوى ما تطلب منهم الولايات المتحدة القيام به، وانتقد الأوروبيين لفشلهم في الوقوف في وجه الولايات المتحدة.
إن ستولتنبرغ لن يأخذ بمثل هذه الانتقادات التي لم يصرّح بها ميرشايمر فحسب، بل عبّر عنها العديد من الآخرين حول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا. وستولتنبرغ مخطئ بالقول إن بكين انضمت إلى موسكو في التشكيك بحق الدول في اختيار طريقها الخاص، فالصين مشهورة بسياستها طويلة الأمد المتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وطالما دعت العالم إلى احترام حق الدول في اختيار مسار التنمية الخاص بها.
قال ستولتنبرغ: “للمرة الأولى يجب على الناتو أن يأخذ في الحسبان كيف يؤثر نفوذ الصين المتزايد وسياساتها القسرية على أمننا”. على الرغم من محاولة ستولتنبرغ تشويه سمعة الصين وإثارة الخوف، لكن سجل الصين في الحرب والسلام جدير بالثناء، فهي لم تخض أي حرب منذ الحرب الحدودية القصيرة مع فيتنام عام 1979.
من يدقق في تصريحات ستولتنبرغ يجد أن هناك تناقضاً حاداً في ادعاءاته، فحلف الناتو ليس تحالفاً دفاعياً على الإطلاق، والدلائل كثيرة، منها تدمير ليبيا عام 2011 من خلال إساءة استخدام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وجعل حظر الانتشار النووي العالمي أكثر صعوبة لأنه حدث بعد وقت قصير من تخلي ليبيا عن برنامج أسلحتها النووية. ويمكن قول الشيء نفسه عن قصف الناتو في يوغوسلافيا سابقاً عام 1999، والذي أدى إلى مقتل آلاف المدنيين بما في ذلك الضربة الصاروخية التي أصابت السفارة الصينية في بلغراد وقتلت ثلاثة صينيين.
إن الناتو لم يعتذر أو يظهر أي ندم على جرائمه في ليبيا ويوغوسلافيا سابقاً، وعليه لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها ستولتنبرغ إيجاد ذريعة لحلف شمال الأطلسي لتوسيع دوره ليشمل منطقة آسيا والمحيط الهادئ كجزء من الجهود الأمريكية لاحتواء الصين، لكن تصريحاته الأخيرة عقيمة وتحاول الخلط بين الصواب والباطل.