لُقّبت بـ “أصغر روائية”.. نيفين عبد الرّؤوف: الموت الفكري أسوأ من الجسدي
في رصيدها مؤلّفان اثنان وتسعى نحو الثّالث، لم تكن من هواة المطالعة لكنّها في سنّ الثالثة عشرة بدأت الكتابة باللغة الإنجليزية ولم تكتب باللغة العربية حتى بلوغها السّادسة عشرة.. تقول نيفين عبد الرّؤوف: في هذا العمر اكتشفت مهارتي باللغتين.
في عمر الثّامنة عشرة طبعت ونشرت أوّل كتاب لها بعنوان: “تكلمي” وأطلقته في معرض الكتاب، وعلى أثر هذا العمل لقبّتها وسائل إعلام ورقية ومسموعة ومرئية بـ “أصغر روائية”، لقب أسعدها لكنّها لاحقاً فكّرت بأكثر من ذلك، توضّح: للوهلة الأولى كنت سعيدة بهذا اللقب، لكنّني الآن أتمنّى أن نعطي الشّباب والشّابات فرصة هذا اللقب، وأن نضيء لهم الطّريق نحو النّشر الورقي والمشاركة في الفعّاليات الثّقافية والأدبية، أمّا على الصّعيد الشّخصي فقد كان هذا الّلقب هدفاً مسمّى منذ الصّغر، كان سبباً بنقلات عدّة نوعية ومهمّة في مسيرتي الأدبية.
تتوجّه إلى الأنثى وتخاطبها، وبالسّؤال عن أهمية العنوان وعمّا إذا كان هناك نيّة للاستمرار بهكذا عناوين، وإن كانت تسبّب لها الخوف من تحديد قرّائها بالإناث دون الرّجال أم على العكس؟ تجيب نيفين: هناك لغط بأنّ أعمالي كلّها منسوبة للمرأة ربّما لأنّها تحمل عناوين مؤنّثة ما يفسّر هذا الّلغط. “تكلمي” هو عنوان واسع يحمل مواضيع اجتماعية ونثرية عدّة وتشمل كلا الجنسين من وجهة نظر امرأة أرادت أن تكسر الصّمت وتتكلّم وهذا المعنى الحقيقي وراء الكتاب، فأنا في “تكلّمي” تكلّمت عن مواضيع عدّة، وكلّ عنوان مختلف عن الآخر من عمالة الأطفال وصولاً إلى قصّة حبّ جمعت بين ملحد وامرأة مسلمة، فالكاتب دائماً يتقمّص الشّخصيات، وأنا في بعض الأحيان أكون رجلاً وفي بعض الأحيان أكون امرأة، فأنا أعدّ نفسي لغةً تحمل كلّ الأجناس وكلّ الأطياف في المجتمع من وجهة نظري وصولاً إلى وجهات نظر الآخرين. أمّا بالنّسبة للتّخوّف بتحديد القرّاء فلا توجد لديّ هذه المخاوف لأنّ معظم الأشخاص الذين قرأوا أعمالي أيقنوا بعقيدتي التي تؤمن بالمساواة، وبأنّ علاقة آدم وحوّاء هي علاقة تشاركية لا أحد يطغى على الآخر، وكلاهما نصف المجتمع وكلاهما يكمّلان النّصف الآخر.
وبالسّؤال عمّا إذا كانت على تواصل مباشر بالحالات التي كتبت عنها في “تكلّمي”، وعمّا إذا قرأت النّساء ما كتبت عنّهن وما كانت ردّة أفعالهن؟ تجيب: نعم في الواقع معظم نصوص كتاب “تكلّمي” هي تجارب واقعية وحقيقية حدثت مع نساء عدّة، وحقيقةً هنالك ردود أفعال جميلة جداً لا يمكنني نسيانها كقول إحدى السّيدات: “لقد عبّرت عن كلّ شي بداخلي أنا لم أستطع التّعبير عنه”، وكقول سيّدة أخرى: “شكراً لأنّك حكيت كلّ شيء، لم تكن لديّ القدرة على حكايته”، بصراحة هذه الجمل تركت في قلبي بصمةً خاصّةً.
في رواية “ليتني كنت أنتَ”، تتحدث نيفين عن رغبة المرأة بأن تكون رجلاً في مجتمع شرقي، وهي فكرة قد تبوح بها الأنثى لصديقتها أو في جلسة أصدقاء ونادراً ما تعلن عنها، فهل هي مجرد فكرة أم فعلاً تمنّت ذلك؟ وهل كونها أنثى يحدّ من طموحها الأدبي؟ توضّح: في هذه الرّواية أتحدّث عن رغبة المرأة بأن تكون رجلاً في مجتمع شرقي متخلّف، لكنّني عالجتُ هذه الرّغبة في حبكة الرّواية لتصبح امتناناً واعتزازاً بذات المرأة، فتتلاشى هذه الرّغبة لاحقاً في اتّجاه المساواة والعدل، وأنّ على كل امرأة أن تكون فخورة بذاتها وجنسها، أمّا من النّاحية الشّخصية فلم يسبق لي أن تمنّيت أن أكون رجلاً، وإن عاد بي الزّمن ومُنحت حق الاختيار سأختار أن أكون أنثى، مضيفةً: الكاتب هو إنسان قبل أن يكون رجلاً أو امرأة، ولم يسبق لي أن تعرّضت لعائق ما لكوني امرأة، فالأدب لا جنس له ولا عرق ولا لون وهذا طبعاً من وجهة نظري الخاصّة، ففي بعض الأحيان أشعر بأنّ عليّ أن أكون مرآة للجميع، وأن أرى المواضيع من زوايا متعدّدة، ولكي أستطيع فعل ذلك لابدّ لي من التّجرّد الذّاتي والفكري.
تدرس نيفين عبد الرّؤوف الطّبّ وهي على وشك التّخرّج، وكما في الطّب تفعل في الأدب، إذ تشرّح واقعاً نعيشه وتقدم الحلول، فأيّهما الأكثر صعوبةً فحص الجسد البشري وتقديم الدّواء والعلاج وإجراء عمليات جراحية له أم العملية الجراحية الأدبية؟ تبيّن: لا يوجد فرق بين المرض الجسدي والمرض النّفسي الذي يسبّبه الواقع المرّ في المجتمع، فالأجساد تحمل انعكاسات المجتمع وهذه العلاقة معقّدة نوعاً ما. تقديم الحلول والنّصائح وكثرة الكلام هو أمرٌ سهلٌ بالتّأكيد، لكنّ السّعي وراء هذه الحلول والعمل بها هو الأكثر صعوبةً.. الطّب لديه منهجٌ موحّدٌ نوعاً ما من ناحية أسس العلاج وتشكّل الأمراض، لكنّ المجتمع لا يعرف من المنهجية منطقاً أو أساساً موحّداً، والطّبيب في الحياة يتحمّل مسؤوليّة العلاج الذي يقدّمه للمريض والكاتب في الرّوايات يتحمّل مسؤولية الحلول والأفكار التي يطرحها في عقول القرّاء، أمّا بالنّسبة إليّ شخصياً فأرى أنّ الأفكار في بعض الأحيان تكون أكثر خطورةً من الموت بحدّ ذاته، وأنّ الموت الأخلاقي والفكري أسوأ من الموت الجسدي.. وهنا يكمن المرض.
نجوى صليبه