الغرب الأمريكي يعزل نفسه عن “العالم الروسي” بعد الدولار
البعث – تقارير:
اعتقدت الولايات المتحدة للوهلة الأولى أن باستطاعتها عبر قيادة الدول الأوروبية كالقطيع نحو فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا، إجبار هذا البلد على أن يجثو على ركبتيه مستجدياً رحمة الغرب “الأنجلوساكسون” حتى لا يتم تدميره بجميع أنواع العقوبات حتى الرياضية منها والثقافية، الأمر الذي يشير إلى حجم الكراهية التي يحملها الغرب لهذا البلد والخوف من وصوله إلى موقع الريادة في هذا العالم أو تحقيق رغبته في إنهاء الهيمنة الغربية عليه، وبالتالي فقدان جميع المكاسب الغربية من النظام القائم حتى لو كان هذا الغرب مجرّد تابع للسيد الأطلسي الذي يوزّع له الأدوار التي ينبغي أن يؤدّيها خدمة لهيمنته.
ولكن ما فات الغرب في هذا المضمار أن موسكو لم تُقدِم على ما أقدمت عليه قبل دراسة أشدّ السيناريوهات سوءاً، بل إنها جهّزت ردّاً مفحماً لكل تصرّف قد يقوم به الغرب إزاءها، فهي كانت تدرك بشكل أو بآخر أن اللعب في العمود الفقري للنظام العالمي سوف يؤدّي في النهاية إلى الشلل، ولذلك كانت تعدّ العدة لبلوغ هذا السيناريو.
ومن هنا أقامت روسيا بدقة “كوناً” بديلاً لا يلعب فيه الدولار دوراً مهيمناً ولا تستطيع الولايات المتحدة فرض إملاءاتها من خلاله على الآخرين، وهذا هو الاستنتاج الذي توصّلت إليه صحيفة “American Thinker”.
ويعتقد صاحب المقال أن موسكو كانت تستعدّ لقطع العلاقات مع الغرب حتى قبل بداية القرن الحادي والعشرين، وبينما أولى الغرب أقلّ قدر من الاهتمام لهذا الأمر، أنفقت روسيا الوقت والمال في بناء نظام دعم عالمي في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية “بريكس”.
علاوة على ذلك، أشار صاحب المقال إلى أن روسيا حصلت على علاقات جيدة مع الصين والهند، سمحت بشكل غير مباشر بربط الاقتصادات الرئيسة في تحالف قوي بما يكفي لتحدي الغرب المرتبط بالدولار، مضيفاً في هذا السياق قوله: “بينما تعاملت الولايات المتحدة مع العالم النامي على أنه عالم يوحي بالتعاطف، إلا أنه مختلف تماماً، يبدو أن روسيا نجحت في بناء علاقة معه على قدم المساواة”.
وأعرب الكاتب عن رأي مفاده أن دول بريكس ستدعم أربعة اقتصادات ناشئة أخرى، تُعرف باسم “النعناع”، وهي المكسيك وإندونيسيا ونيجيريا وتركيا.
وخلص الخبير إلى أن موسكو أعدّت بحكمة الأرضية بحيث لا تتعثر علاقاتها مع العالم النامي في حالة انقطاع العلاقات مع الغرب، “وربما من خلال إدانة روسيا وعزلها عن العالم المعروف لدينا، لعبنا لمصلحة بوتين، ما أعطاه إشارة لعزل أنفسنا عن العالم المجهول، عالم بريكس والنعناع”.
وكانت دول غربية فرضت عقوبات على روسيا بسبب العملية العسكرية الخاصة لنزع السلاح والقضاء على النازية في أوكرانيا، وأثرت القيود الجديدة بشكل رئيس في القطاع المصرفي وقطاع التكنولوجيا الفائقة، وأدّى اضطراب سلاسل التوريد إلى مشكلات اقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة، ولاسيما ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود.
من جهة ثانية، كتبت صحيفة “واشنطن بوست” أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، قد تصبح محفّزاً لمزيد من التضخم المالي والركود الاقتصادي في الولايات المتحدة نفسها.
وقالت الصحيفة: “يمكن أن تساعد العقوبات، وخاصة عندما تصبح أكثر صرامة، في نمو الأسعار في مختلف المجالات، بما في ذلك أسعار موارد الطاقة والمواد الغذائية التي يستخدم القمح لإنتاجها”.
وأضافت: إن “مهمة بايدن لمعاقبة روسيا قد تتناقض في القريب العاجل مع الجهود المبذولة لضبط الأسعار، وذلك قبل أن يتوجّه الناخبون للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات للكونغرس في تشرين الثاني القادم”.
وأعلنت وزارة العمل الأمريكية، الثلاثاء الماضي، أن التضخم المالي في البلاد ارتفع إلى نسبة 8,5% سنوياً، ليصبح أكبر مؤشر منذ عام 1981. وازدادت أسعار البضائع في الولايات المتحدة وفق نتائج شهر آذار الماضي بمقدار 8,5% سنوياً، وذلك بعد أن ارتفعت بمقدار 7,9% سنوياً في شباط الماضي.
ومن هنا يظهر بشكل جلي التخبّط الغربي في التعاطي مع الحقائق الجديدة على الأرض التي تؤكد أن مسألة ولادة نظام عالمي جديد أصبحت حقيقة، وأن عليه القبول بهذه الحقائق حتى لا يعمّق خسائره نتيجة هذا المخاض.