دراساتصحيفة البعث

فرنسا بين أوروبا المضطربة والصين

عائدة أسعد

حافظت نتائج الانتخابات العامة في عام 2021 في 10 دول أوروبية على توازن البيئة السياسية في أوروبا، لكنها مالت قليلاً نحو اليسار. وبسبب الصراع بين روسيا وأوكرانيا، أظهرت السياسات الأوروبية بعض الانحرافات.

وكما المجر وصربيا، انطلقت الانتخابات الرئاسية في فرنسا يوم الأحد الماضي وستستمر حتى 24 نيسان، حيث اكتسبت أهمية إضافية أيضاً، لأن الرئيس الوسطي إيمانويل ماكرون ومرشحة الرئاسة اليمينية المتطرفة مارين لوبان تبنيا مواقف سياسية مختلفة تماماً عن السابق، ويمكن أن تؤدي الانتخابات إلى تغييرات واضحة في السياسات الفرنسية بل وتشكل تحدياً كبيراً لوحدة الاتحاد الأوروبي واستقراره.

وأياً كان الرئيس الفرنسي الجديد فهو سيواجه أوروبا مضطربة، لأن فرنسا تواجه مشاكل وتحديات متزايدة لا سيما مع الآثار المستمرة لوباء كوفيد 19، وتأثيرات أزمة أوكرانيا، عدا عن أنها تعاني بالفعل من ارتفاع الأسعار وقضايا الأمن والهجرة.

ولكن على الرغم من التحديات المتزايدة، لن تتخلى فرنسا بسهولة عن تقاليدها الدبلوماسية، ومن المتوقع أن تستمر في تعزيز الإصلاحات في الاتحاد الأوروبي، وبذل الجهود لتوطيد الوحدة الأوروبية، وتقوية استراتيجيتها الدفاعية المستقلة وسط أزمة أوكرانيا من أجل الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي والدبلوماسي عن الولايات المتحدة.

ومع ذلك من المتوقع أن تحافظ فرنسا على تعاونها مع الولايات المتحدة في قطاعات الاقتصاد والطاقة والتكنولوجيا الفائقة والسلاسل الصناعية، وأن تواصل تعزيز التحول الأخضر والرقمي لاقتصادها، فضلاً عن قيادة المفاوضات العالمية بشأن تغير المناخ والحوكمة.

لكن الأهم من ذلك أن العلاقات الودية بين الصين وفرنسا لن تتغير بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية، لأن الجانبين سيكسبان الكثير من خلال تعميق التعاون خاصة في مكافحة تغير المناخ والتنمية الخضراء. وبصفتهما من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمروجين الرئيسيين لاتفاقية باريس، تعمل الصين وفرنسا على تنسيق سياساتهما البيئية، فعلى سبيل المثال اقترح رئيسا البلدين في مكالمتهما الهاتفية في 26 تشرين الأول 2021 إقامة تعاون أخضر متعمق للحفاظ على التنوع البيولوجي ومجالات أخرى من أجل تحقيق المزيد من النتائج.

لقد أصبح التعاون الأخضر أحد أعمدة العلاقات الصينية الفرنسية من خلال منصات مثل المشاورات الإستراتيجية والحوار الاقتصادي والمالي، حيث أنشأ الجانبان آليات التبادل من خلال مجموعة عمل التصنيع الأخضر ومؤتمر التمويل الأخضر المشترك ومنتدى التنمية الخضراء والتي تغطي جميع القضايا البيئية تقريباً.

وبالإضافة إلى التعاون الأخضر عمدت الصين وفرنسا أيضاً إلى تعميق التعاون في التكنولوجيا والزراعة والطيران والطاقة النووية وغيرها من القطاعات مما أدى إلى نتائج جيدة. ومع تولي فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في النصف الأول من عام 2022  قام الجانبان أيضاً بتعميق الثقة المتبادلة وزيادة التعاون.