“أزمة أوكرانيا”… نظريات تقترب من نهايتها
إعداد: هيفاء علي
عند تحليل الأزمة الحالية التي لم يسبق لها مثيل، ليس فقط بين الغرب وروسيا، ولكن بشكل أكثر عمومية بين المتمسكين بالأحادية القطبية وأنصار عصر متعدد الأقطاب، سرعان ما يتضح بالنظر إلى خريطة الدول التي وسعت العقوبات بشكل كبير ضد روسيا أن هذه الدول لديها أكبر ديون خارجية ومن بين أفضل 10 دول من حيث الديون الخارجية، هناك 8 دول غربية.
من الواضح أن المتخصصين الاقتصاديين “الكبار” في العالم الغربي سيقولون إن هذا أمر طبيعي، لأن الغرب كان المرجع للدول الأخرى في العالم لوضع أصولها هناك. ولكن اليوم، تقترب هذه النظرية من نهايتها، بعدما شهد العالم كله سرقة الاحتياطيات الروسية التي كانت موجودة في الغرب. في مواجهة هذا الأمر، تمكنت روسيا من إيجاد الأدوات اللازمة ليس فقط للتعويض عن ذلك، ولكن أيضاً لوضع المحرضين على العقوبات في صعوبة كبيرة، وهذا الوضع كشف النقاب عن العديد من التوضيحات:
أولاً: إن هذا الغرب الجماعي الذي أسقط القناع عن وجهه الحقيقي، وجه اللص الذي يسرح ويمرح في الهواء الطلق دون محاسبة من أحد، سوف يشهد تأثيراً كارثياً على النظام المالي الغربي على المدى القصير والمتوسط والطويل، في حين ستتسارع عملية فقدان الثقة بعملات الدولار واليورو من الآن فصاعداً تماماً مثل انتشار الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف للتجارة بعملات وطنية غير الغربية.
ثانياً: بدون المواد الخام الأساسية والطاقة لا يمكن للغرب أن يفعل الكثير لا لصناعته ولا للمستهلكين العاديين لديه. اذ تبقى جميع المناقشات حول الطاقات “المتجددة” مشاريع ليس لها فرصة لتحقيقها في المستقبل القريب، أو حتى بالتأكيد على المدى المتوسط. كل هذه الغطرسة المهيمنة على الغرب كانت دائماً قائمة على حقيقة أن الصناعة الغربية تصدر منتجات تكنولوجية ذات قيمة مضافة عالية، إلا أن هذه الصناعة التكنولوجية لا تستطيع عملياً فعل أي شيء بدون الموارد الطبيعية التي تحتاجها للعمل والبيع والتصدير. كما سيكون من السذاجة تماماً الاعتقاد بأن التصنيع في الغرب لم يكن مرتبطاً بشكل مباشر بالاستعمار ونهب الموارد الطبيعية من الشعوب المستعمرة. وبحسب المحللين، فقد أثبتت الدول غير الغربية، أن لديها كل الإمكانات العلمية والفكرية اللازمة لتكون قادرة على تعويض أو إيجاد البدائل الضرورية للتقنيات الغربية في نهاية المطاف. وتؤكد ذلك عقول من روسيا والصين والهند وإيران والعديد من الأماكن الأخرى في العالم. وإذا تمكن الغرب في الماضي القريب نسبياً من استقطاب بعض هذه العقول، فإن هذه العملية ستتباطأ بلا شك الآن. بالنسبة للبعض بدافع حب الوطن، بالنسبة للآخرين بحثا عن الفرص لكسب الكثير من المال في المنزل، بدلاً من أن يكونوا موظفين في الشركات الغربية. وعندما يشهد العالم وضع هذا النظام، والذي يعد منطقياً، يخاطر الغرب بأن يجد نفسه في موقف صعب ولا يحسد عليه، من حيث أنه لن يكون “قطب الجذب” بامتياز وسيواجه صعوبة متزايدة في الحصول على المواد اللازمة للصناعة التكنولوجية، ما لم يتبع بشكل صارم شروط البلدان التي تنتمي إليها الموارد المذكورة. كما أنه سيشهد ظهور منافسين على نطاق واسع، بما في ذلك في المجال التكنولوجي، من العالم غير الغربي، يمثلون الغالبية العظمى من الكوكب في نفس الوقت.
وبالتأكيد يوجد الآن فهم أفضل لبعض العمليات التي تؤثر على أفريقيا، وعلى وجه الخصوص لماذا تعاملت الدول الغربية مع هذه الهستيريا مع صعود التعاون بين الصين وروسيا مع الدول الأفريقية. فالصين وروسيا إحدى القوتين العسكريتين الرئيسيتين في العالم، وكذلك من حيث الموارد الطبيعية على نطاق الكوكب، وأيضاً رأس حربة رئيسي للقواعد الدولية متعددة الأقطاب. أما إفريقيا فهي قارة غنية بالموارد الطبيعية، ولكن الغرب جعل وضعها الاقتصادي يتدهور لفترة طويلة حتى يتمكن من نهب هذه الموارد التي يحتاجها بشدة من أجل الحفاظ على فكرة الهيمنة المبررة من قبل هذا الغرب نفسه. هذا المخطط الشرير يقترب من نهايته، حتى أن الشركاء “التقليديين” للولايات المتحدة والغرب يبتعدون عنهم، وبالتالي، سيتعين على العالم الغربي أن يتعلم كيف يعيش على أسس وقواعد جديدة، حتى لو بدا ذلك بعيد المنال بالنسبة للعديد ممن يسمون بخبراء هذا العالم الصغير. ولكن بحسب المحللين، لم يحظ الغرب بفرصة ركوب آخر عربة في القطار متعدد الأقطاب إلا مؤخراً، وهذا هو السبب في أن العالم الجديد سيكون عالم ما بعد الغرب.