أسامة الروماني: دعم الدولة للمسرح قائم.. والمطلوب أن يكون على مستوى الطموح
لم يكن لقاء الفنان أسامة الروماني بطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية ضمن ملتقى الإبداع الذي يقيمه، دورياً، المعهد العالي للفنون المسرحية لقاء عادياً، فقد غاب الفنان أسامة الروماني عن الساحة الفنية في سورية لأكثر من أربعين عاماً، وبالتالي فإن عدداً كبيراً من الطلبة لا يعرفون تاريخ هذا الفنان، فأتاح لهم الملتقى التعرف إليه مجدداً، وقد اختصر مدير الجلسة، سعد القاسم، أهمية هذا اللقاء حين بدأ كلامه بالإشارة إلى أن الذاكرة لدينا مريضة وضعيفة، وملتقى الإبداع من خلال إدارة المعهد تحاول أن ترمم هذه الذاكرة بلقاء شخصيات مهمة في حياتنا الفنية والمسرحية، خاصّةً وأن العديد من الأعمال المسرحية المهمة غير مسجلة، وقد أيد الروماني في بداية كلامه السياسة التي تتّبعها إدارة المعهد في توثيق دور الروّاد في مجال الفن، وعبّر عن سروره بالتواصل مع طلبة المعهد الذين سيرفدون الحركة الفنية بفنانين أكاديميين.
بداية الرحلة
تحدّث أسامة الروماني، بداية، عن الفنان هاني الروماني، الرفيق والصديق قبل أن يكون الأخ، وهو الذي سبقه إلى عالم التمثيل، وكان له الفضل في أن يخطو أسامة خطواته على طريق هاني، الممثل في المسرح الجامعي – وكان يدرس في كلية الطب – الذي كان يضمّ مجموعة من الفنانين الهواة، منهم أسامة الروماني ورياض نحاس وسليم كلاس، وغيرهم، وهم الذين انضموا إلى ندوة الفكر والفن التي أسسها بخبرته ومعرفته د. رفيق الصبان من خلالها مجموعة من المسرحيات بقيادته كمخرج، ثم سرعان ما انضمّت إليهم عام 1961 مجموعة من الفنانات، منهنّ الفنانة منى واصف القادمة من المسرح العسكري والتي شاركتْ في ثاني عمل مسرحي للندوة وقد أسند إليها د. الصبان دور بورشيا في مسرحية “تاجر البندقية”. وكانت المرة الأولى التي تشارك فيها كبطلة في المسرح الكلاسيكي.
وبين الروماني أنه وباجتهاد ومثابرة من الصبان تعدّدت المسرحيات التي كانت تُقدّمها الندوة والتي ضمت إلى جانب الممثلين الهواة أعضاء من النخبة وقادة الرأي، أمثال: صلحي الوادي، محمد الماغوط، لؤي كيّالي، فاتح المدرّس، عبد اللطيف أرناؤوط، عدنان بغجاتي، جورج طرابيشي، مشيراً إلى أن وجود هذه الأسماء الكبيرة في الندوة أتاح لهم فرصة التعلم منهم لأنهم كانوا يمثلون مجموعة هامة من أطياف الثقافة في تلك الفترة.
أول مرة
وأشار أسامة إلى أنه وقف على خشبة المسرح لأول مرة عندما أسند إليه دور صغير في مسرحية “الليلة الثانية عشرة” لشكسبير، ثم شارك في مسرحية “تاجر البندقية” وعدد من الأعمال المسرحية العالمية التي كانت تقدمها الندوة التي اتجهت فيما بعد للمسرح العربي، فتمّ الاعتماد على نصوص توفيق الحكيم، ويوسف مقدسي، وعلي كنعان، ومن ثم سعد الله ونوس، مؤكداً أن الندوة كانت تقدّم عروضاً مسرحية جيدة إلى درجة أن د. الصبان، في العام 1976، أخرج مسرحية لطلاب الأدب الإنكليزي تحت عنوان “جعجة بلا طحن” باللغة الإنكليزية، وشارك فيها أسامة وهاني وتم تقديمها كنشاط للجامعة، ثم تمّ عرضها في الجامعة الأميركية في بيروت لمدّة أسبوع، وقد أشاد النقاد بها كثيراً رغم أن جميع المشاركين فيها كانوا من الهواة. كما لم ينس الروماني ردة فعل أحد الأساتذة الفرنسيين الذي كان يُدَرِّس في جامعة دمشق، وكان يدعى بيير لابير، والذي حضر إحدى مسرحيات الروماني وزملائه، وكيف صفّق لهم وهنأهم على ما قدموه، وكان ذلك مصدر استغراب لهم، وهو الفرنسي القادم من بلدٍ تُقَدَّم فيه أهم العروض، وحين سُئِل عن سبب هذا التصفيق أجاب: “أنا أُصفّق للجهد الذي بذلتموه ولمحاولاتكم”.
جمهور واعٍ
بيّن الروماني أنه كان هناك حرص من قبل الندوة على إرضاء كل شرائح المجتمع وفتح نافذة لفنّ من الفنون النخبوية بهدف أن يتعود الناس على مشاهدة الأعمال المسرحية بعد أن أسس لها في المسرح الكوميدي مجموعة كبيرة من الفنانين الرواد أمثال: نزار فؤاد، محمد علي عبده، عبد اللطيف فتحي، شفيق المنفلوطي، علي الرواس ومحمد خير حلواني، فهؤلاء الروّاد – برأيه – ناضلوا وجاهدوا لفتح الطريق أمامهم في وقتٍ كان يُنظَر إلى الفنان نظرة خاصة.
ونوه الروماني إلى أن جميع المسرحيات التي قدمتها الندوة وشارك فيها كانت من إخراج الصبان الذي دخل من خلال أعضاء الندوة المسرحيين في منافسة مع المسرح القومي في مديرية المسارح التي كان يديرها نجاة قصاب حسن إلى درجة أنه في إحدى السنوات قام المسرح القومي بتقديم نص “رجل الأقدار” لبرنارد شو، وكذلك اختارت الندوة تقديم نفس النص لخلق نوع من المنافسة الجميلة بينهما، وأكد أن تشجيع الجمهور الذي كان يتابع أعمال الندوة وأعضائها الهواة كان دافعاً لاستمرارهم، وأن جمهور الستينيات كان جمهوراً واعياً ومشجعاً للأعمال المسرحية إلى درجة أن المسرح كان محجوزاً سلفاً لمدة أسبوع عندما قدموا في الندوة مسرحية “طرطوف” لموليير عام 1965.
روح الشباب
لم يغفل أسامة الروماني عن ذكر أنه وفي بدايات الستينيات طلب وزير الإعلام آنذاك من د.رفيق الصبان رفدَ التلفزيون السوري بالفنّانين الموجودين في الندوة، فانتقل أعضاء الندوة جميعهم إلى التلفزيون ليشكّلوا فرقة الفنون الدرامية التابعة للتلفزيون، ولوجود العديد من البرامج والمسلسلات والأغاني التي كانت تتوجه لشرائح المجتمع كان من الضروري برأيه تقديم أعمال تناسب النخبة من قبل الفرقة، لذلك تم التفكير بتقديم ما يسمى مسرح التليفزيون، حيث كان يتم اختيار موضوع محدد كالحرب أو الأم أو الحب وتقديم عدة أعمال مسرحية تحدثت عنه، مؤكداً الروماني أنه كان من حسن حظ جيله إنشاء وزارة الثقافة في أوائل الستينيات، فقبل ذلك وخاصّةً في عهد الرعيل الأول لم تكن هناك جهة ترعى الفنانين وتحلّ مشاكلهم، وفي الوقت ذاته كان يتمنى مع أبناء جيله وجود معهد لدراسة فنّ التمثيل بشكلٍ أكاديميّ لأن الدراسة تُعلّم الممثل كيف يؤدي بشكلٍ صحيح وتجعله يعرف كل التقنيات التي من الضروري أن يتقنها، وهو ما لم يتوفر لجيله، فالجميع كان يتعلّم من أخطائه ومن المشاهَدات والنصائح التي كانت تُقَدَّم له من المحيطين والجمهور، ومع هذا استطاعوا – برأيه – أن يُقَدِّموا مسرحاً يُنظَر إليه بكلّ إعجاب، مؤكداً أنه ورغم صعوبات البدايات إلا أن الجميع كان مستمتعاً بما يقوم به لأن روح الشباب كانت تنتصر على كل الصعوبات الموجودة في ظل عدم وجود جهة رسميّة ترعاهم آنذاك، كما لم ينكر الروماني أهمية إقامة المهرجان المسرحي في العام 1976 الذي أتاح لهم الاطلاع على مدارس مسرحيّة مهمة ومتنوعة في الوطن العربي.
“ضيعة تشرين” و”غربة”
بعد أن حقق الروماني نجاحاً في عدد من الأعمال المسرحيّة، التقى الفنان دريد لحام في إحدى حفلات تكريم أبطال حرب تشرين التحريرية، وحينها عرض عليه لحام العمل معه في مسرحية “ضيعة تشرين” من خلال شخصية نايف، ورأى الروماني أن دعوة دريد لحام للعمل معه من خلال نص للماغوط مع مجموعة كبيرة من النجوم كان بمثابة تكريم له. وقُدِّمَت المسرحية عام 1974 على خشبة مسرح العمّال، ومن ثم في بيروت وعمّان وحلب، وفي ذات الفترة كان دريد لحام يُحضّر لمسرحية “غربة” للدخول في تفاصيل الهم الإنساني فدعاه مرة ثانية للمشاركة فيها.
دعم الدولة للمسرح
أوضح الروماني أنه لا يمكن أن تقوم للمسرح قائمة دون دعم من قبل الدولة، ليس في سورية فقط بل في كل أنحاء العالم، مشيراً إلى أنه حضر العديد من المسرحيّات في فرنسا وأميركا ودول أخرى، وكان عدد الجمهور قليلاً، مؤكداً أن دعم الدولة للمسرح في سورية قائم ولكن المطلوب أن يكون على مستوى الطموح، مبيناً أن الجيل الجديد الذي يتخرّج من المعهد سيتابع مسيرة الأجيال التي سبقته وهو مدرك أن العمل في المسرح لا يطعم خبزاً، لذلك يتفهم توجه خريجيه للعمل في السينما والتلفزيون، ولكنه مع هذا طالبهم بعدم التخلي عنه.
أمينة عباس