إيثار الوطن وأرواح المستقبل
غالية خوجة
لم تعتد سوريتنا الحبيبة سوى الإباء والكرامة والرأس المرفوع المتوج بالأبجدية الأولى وأبجدية الغار والانتصار، وهذا ما أكد عليه شهداؤنا وجرحى الوطن منذ دم أول شهيد روى تربة هذا الوطن العريق.
الأرض السورية مثل سمائها حرة أبية، وقيادتها وشعبها متضافران، وكم مرت ظلمات ومرّ إرهابيون على هذه الأرض، وخرجوا منكسي الرؤوس عبر الأزمنة والعصور، وسيظلون كذلك، لأن الوطن حق، والحق منتصر، ولم تؤثر عليه عمليات التتريك التي أثر فيها بلغته العربية وقيمها، ولن تؤثر عليه الحروب العالمية المختلفة الأولى والثانية والباردة والتكنولوجية والكونية الإرهابية الأخيرة.
ويعلم العالم أجمع كيف صنع أبطال وشهداء الثورة السورية الكبرى الاستقلال والنصر، كما يعلم كيف وقف يوسف العظمة بوجه الفرنسيين واستشهد ومن معه من أجل سورية، ثم طرد السوريون وبقلب واحد آخر جندي فرنسي عن أراضيهم منذ 76 عاماً.
ولنحتفل بعيد الجلاء، علينا أن نتساءل: ماذا نقدم وكيف نقدم المزيد لوطننا الأسطوري قولاً وفعلاً؟
إن علينا في هذه المرحلة المهمة أن ننجز الأمل بالعمل على كافة الصعد الحياتية، وأن نعمل 48 ساعة ضمن الـ 24 ساعة، لننافس الخراب بالبناء، ولنبدأ من أنفسنا، مقدسين قيمنا الخالدة لأنها الضوء المشع داخلنا وحولنا وفي قبورنا أيضاً.
وبذلك نبني حياتنا والحياة بعد مماتنا، فتتضاعف الحياة، وتزهر الأرواح، ونتخطى أنفاق الظلمات بضوء شمعة، لكن، بضمير مشع أكثر من الشمس.
والجلاء، بمدلول آخر، أن نجلي السواد، والمآسي، واليأس، والكسل، والنفاق، وأن نعمّر ذواتنا بالإيجابية، ومجتمعنا، وحاضرنا، ومستقبلنا، لنكون مواصلين التضحيات مع جيشنا العربي السوري الذي يشكّل الأبجدية الأسطورية المعاصرة لهذا الانتصار وكل انتصار.
يحق لنا أن نفرح بعيد الجلاء الذي نحتفل به كعيدين: الأول كذاكرة وتاريخ، والثاني كحاضر واقع تحدى ما حشده الإرهاب العالمي وانتصر عليه، وعلّم العالم معنى الوطن والدفاع عنه والموت لأجله والتضحية لأجله، لأنه الباقي.
الإرث الوطني المناضل الصامد المنتصر يستمر مزهراً ومزدهراً من خلال أحفاد إبراهيم هنانو، سلطان باشا الأطرش، صالح العلي، وغيرهم كثير.
ويستمر الأرجوان الفينيقي متدفقاً شقائق نعمان فوق الكتاب والسحاب والأعشاب، ساحقاً كل القوى الاستعمارية بكافة أشكالها لأنها سراب بقيعة من فوقها سراب.
ولتزداد هذه الذاكرة تألقاً في يومياتنا، لا بد من أن تكون مجسدة في واقعنا على مر اللحظات، وأن نحتفي بها من خلال أعمال فنية ثقافية تشكيلية ومسرحية وأدبية بين طلابنا في المدارس والمعاهد والجامعات، وأن تنشأ جوائز لهذه الأعمال الخاصة بهذا اليوم الاحتفالي، وأن تعمل “الدراما” على هذا البعد بوسائل وأساليب فنية تروي حكايات أبطالنا القدامى والمعاصرين، إضافة إلى الأغنية الوطنية ودورها في ترسيخ الفعل البطولي ومآثره، لينمو الإحساس الوطني والمسؤولية الوطنية مع الأطفال، ويكبر معهم، ويكون معادلاً للروح.
لا بد من غرس ذاكرة الكرامة وإيثار الوطن في أرواح المستقبل، فلا تكفي الاحتفالات المهرجانية التي يقيمها الأدباء لبعضهم البعض ويحضرونها وحدهم، ولا يكفي الجلاءَ يوم واحد، لأن التضحية متواصلة من أجل أن يظل الوطن منتصراً، ويظل محافظاً على الانتصار.