في ذكرى اليوم الوطني للوفاء للأسرى الفلسطينيين
قسم الدراسات
لم يوفر الكيان الصهيوني أي وسيلة في محاولة تكريس وجوده وفرض الأمر الواقع على المستويين الداخلي و الإقليمي والدولي على حد سواء. وقد تنوعت صور ممارساته العنصرية في إطار تطبيق المشروع الصهيوني الذي حدد معالمه الأولى الحاخام “يهودا القالعي” وترجمه “ثيودور هرتزل” من خلال تبنيه برنامج وإيديولوجية ترتكز على العنصرية اللا محدودة, وهو ما يفسر لجوء هذا الكيان لسياسة الاعتقال وقمع الحريات بشكل يظهر هذا الوجه العنصري.
في العام 1974 تبني المجلس الوطني الفلسطيني 17 نيسان يوماً وطنياً للوفاء “للأسرى الفلسطينيين” داخل السجون الإسرائيلية, ومنذ ذلك الوقت تنامي عدد المنظمات الفلسطينية والدولية “غير الحكومية” الناشطة في هذا الإطار, إلا أن كل ذلك لم يمنع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من تغيير سلوكها اللا إنساني في تعاطيها مع ملف المعتقلين.
وهذا الواقع لا يمكن إنكاره أو تجاهله في ظل المعطيات المتراكمة التي تشكل واقع إدانة جنائية دولية تحيط بسلوك الكيان المغتصب، فقد اعتقلت “إسرائيل” حتى شهر أيلول من العام 2021، ما يزيد عن 6214 ألف معتقل، وفق نادي الأسير، ومن بين إجمالي المعتقلين نحو 148 طفلاً، فيما بلغ عدد المعتقلين المرضى حتى مطلع أب الماضي، قرابة 760 معتقلاً، بينهم 300 حالة مرضية مزمنة بحاجة لعلاج مستمر، منهم 12معتقل مرضى مصابين بالسرطان, ويستمر الكيان الإسرائيلي باعتقال 26 فلسطينياً منذ قبل اتفاق “أوسلو” عام 1993 الذين يطلق عليهم “قدامى الأسرى”. ويضاف لذلك إن السجون الإسرائيلية تحتوي على 51 أسيراً منذ ما يزيد عن 20عاماً بشكل متواصل، وهم ما يعرفون بـ “عمداء الأسرى”. واللافت في ملف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين إن من بين المعتقلين، 541 معتقلاً محكومون بالسجن المؤبد لعدة مرات.
وما يؤكد واقع الأسرى المرير، هو استشهاد 222 فلسطينياً في سجون الاحتلال منذ عام 1967، بينهم 67 جراء الإهمال الطبي، و75 بالقتل العمد، و73 بسبب التعذيب، و7 بسبب القمع وإطلاق النار المباشر عليهم من جنود وحراس السجون. ولم يقتصر الاعتقال على الذكور فقط, بل تشمل دائرة هذا الملف لتطال العنصر النسائي, حيث قامت قوات الاحتلال باعتقال 16 ألف امرأة فلسطينية وزجت بهن في سجونها منذ عام 1967.
الاعتقال الإداري
يعتبر الاعتقال الإداري سياسة قديمة حديثة ورثتها سلطات حكومة الاحتلال من الانتداب البريطاني التي فرضتها في أيلول 1945, تحت مسمى أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ, وقد استخدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلية هذه السياسة منذ السنوات الأولى لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967. وعلى الرغم من إعلان الكيان تخليه عن هذا الاعتقال عام 1982 بعد إطلاق سراح آخر معتقل فلسطيني إداري “علي عوض الجمال ” في آذار1982 نتيجة تعرضها لضغوط خارجية, إلا أنها سرعان ما عاودت للإعلان عن العودة لتطبيق الاعتقال الإداري مع انطلاقة شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987، حيث صعدت السلطات الإسرائيلية من استخدام هذه السياسة ليطرأ ارتفاع ملحوظ على عدد المعتقلين الإداريين الفلسطينيين.
والاعتقال الإداري لسلطات الاحتلال الإسرائيلي يرتكز على اعتقال الفلسطينيين وحرمانهم من كل حقوقهم, أي لا يقدمون للمحاكمة وبدون الإفصاح عن التهم الموجهة إليهم وبدون السماح لهم أو لمحاميهم بمعاينة المواد الخاصة بالأدلة، في خرق واضح وصريح لبنود القانون الدولي الإنساني، لتكون إسرائيل هي الجهة الوحيدة في العالم التي تمارس هذه السياسة، وغالباً ما يستهدف هذا النوع من الاعتقال نخبة المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين. وحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أصدرت بحق الفلسطينيين منذ العام 1967 أكثر من 50 ألف قرار اعتقال إداري، ما بين قرار جديد وتجديد اعتقال.
الأطفال في سجون الاحتلال
تشير التقديرات الموثقة إن من بين مليون فلسطيني اعتقلوا منذ العام 1967 وحتى نهاية أيلول 2020 ما يزيد عن مليون فلسطيني أكثر من خمسين ألف حالة اعتقال منهم سجلت في صفوف الأطفال الفلسطينيين -ما دون سن الثامنة عشرة – وبلغ عدد الأسرى الأطفال والقاصرين رهن الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي في نهاية أيلول 2021 نحو 265 طفلاً وطفلة , إضافة إلى وجود عدد في مراكز التوقيف والتحقيق، فضلاً عن عدة أطفال من القدس تحتجزهم في مراكز اجتماعية خاصة لأن أعمارهم تقل عن 14 عاماً، وذلك حسب تقارير “هيئة شؤون الأسرى والمحررين”, يضاف إليهم أطفال ولدوا في سجون الاحتلال.
ومعاناة هؤلاء الأطفال لا تقل عما يعانيه الكبار في سجون الاحتلال, فهم يتعرضون لما يتعرض له الكبار من قسوة التعذيب والمحاكمات الجائرة والمعاملة غير الإنسانية التي تنتهك حقوقهم الأساسية وتهدد مستقبلهم بالضياع بما يخالف قواعد القانون الدولي واتفاقية الطفل، وخصوصاً المادة (16) التي تنص على: “لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة”.
في ظل كل الإجراءات العنصرية التي يتبعها الاحتلال الصهيوني لكسر عزيمة وإرادة الشعب الفلسطيني، إلا أن التاريخ والحاضر مليء بالنماذج البطولية التي سطرها المعتقلون بإرادتهم وعزيمتهم وتحديهم على ساحات الجبهات. لذلك يتحمل الاحتلال نتائج المأساة التي يعيشها الأسرى، لأن أي جريمة تلحق بالأسرى سيتحمل الاحتلال وحده مسؤولية صاعق التفجير للمعركة، والمقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تسمح للاحتلال بالتفرد بهم وستكون خط الدفاع الأول عنهم.