لمصلحة مصنّعي الأسلحة الأمريكيين
منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، وقبل أن تتقرّر العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بشكل دؤوب على توتير الأجواء في أوروبا من خلال التحريض بشكل هستيري على روسيا والعمل على شيطنتها بشتى الوسائل، وبالتالي بثّ الرعب والخوف في نفوس الأوروبيين ودفعهم إلى طلب الحماية، أو على الأقل إلى تخزين السلاح وشرائه، واقتراح أنواع الأسلحة التي يحتاج إليها الأوروبيون في أيّ نزاع محتمل مع روسيا.
كل هذه الأمور تم الحديث عنها قبل انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وبموجب الوثائق التي حصل عليها الجيش الروسي لاحقاً بعد سيطرته على بعض المواقع العسكرية للجيش الأوكراني، تبيّن أن النظام في كييف كان يخطّط بدعم أمريكي غربي لشنّ حملة عسكرية لاستعادة شبه جزيرة القرم في آذار الماضي، ولكن القرار الروسي بشن العملية العسكرية لحماية دونباس في الرابع والعشرين من شهر شباط الماضي أفشل المخطط الغربي.
وبالطريقة ذاتها التي استخدمها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الحديث عن النظام السعودي الذي يدرّ على واشنطن الأموال، وذلك تحت عنوان “الحماية”، راحت واشنطن في ظل الإدارة الأمريكية الحالية تدعو أوروبا بشكل مستمر إلى تزويد أوكرانيا بالسلاح الذي تقترح هي حاجة أوكرانيا إليه، ويتعيّن على الأوروبيين الذين أخذهم الخوف من الحرب أن يلبّوا الطلب الأمريكي بتزويد الجيش الأوكراني بالسلاح الذي يظهر أنهم بالنتيجة سيشترونه من مخازن السلاح الأمريكية، وواشنطن هي من تحدّد نوعه.
ومن هنا جاء تقرير صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية الذي أكد أن الولايات المتحدة تأمل في بقاء الصراع في أوكرانيا لأمد طويل خدمة لمصلحتها الجيوسياسية الخاصة ومصنّعي الأسلحة الأمريكيين، حيث لفتت إلى أن الولايات المتحدة تستخدم الفوضى لمصلحة مصنّعي الأسلحة الأمريكيين، الذين تزداد مخزوناتهم بشكل ملحوظ، وكذلك من أجل الحصول على مكاسب جيوسياسية من التلاعب بأوروبا وناتو تحت غطاء “التهديد الروسي”.
وخلصت الصحيفة وفق خبراء إلى أن “المجمع الصناعي العسكري الأمريكي هو المستفيد المباشر والأكبر من إطالة أمد الصراع”.
وما جاء في تقرير الصحيفة الصينية يتقاطع بالمحصلة مع ما أدلى به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الثاني عشر من الشهر الحالي، من أنه يشاطر الرأي القائل: إن الولايات المتحدة مستعدّة لمواجهة روسيا “حتى آخر أوكراني”.
وقال بوتين: “هناك الكثير من الحديث عن أن الولايات المتحدة مستعدة للقتال مع روسيا حتى آخر أوكراني – يقال هكذا عنهم وعندنا – والأمر حقاً كذلك”، مشدّداً على أن الغرب يستخدم أوكرانيا كأداة لتحقيق أهدافه.
لذلك، لا نستغرب أن تكون الولايات المتحدة بالفعل مستعدّة لمحاربة روسيا ليس حتى آخر جنديّ أوروبي فحسب، بل إلى آخر دولار أو يورو يمكن إنفاقه على الحروب التي تختلقها واشنطن في أيّ مكان من العالم خدمة لأجنداتها الجيوسياسية، فالحديث هنا لا يخص الجنديّ الأوكراني لأنه آخر همّ الإدارة الأمريكية، بل يتعلّق بقدرة هذا الجندي على المحاربة طويلاً لإطالة أمد النزاع، وبالتالي تحقيق الاستفادة القصوى لمصنّعي السلاح الأمريكيين الذين سيُطلب منهم تغطية حاجة الجيش الأوكراني من السلاح، بل ربما يقوم الأوروبيون بتسويق السلاح الأمريكي الكاسد في مستودعات السلاح.
طلال ياسر الزعبي