من “فخ دونباس” إلى “تايوان” .. و”حلّ استوكهولم”
أحمد حسن
في سعيها المحموم لإبعاد كأس التعددية القطبية الحتمي، والمرّ، عن شفاهها، بدأت واشنطن – وقبل أن تتحقق من بلوغ “فخ دونباس” نهايته المطلوبة – ببناء “فخ تايوان” للصين، في الوقت ذاته الذي انتقلت فيه نحو إجراءات عمليّة، وخطيرة، لإنجاز حلٍّ سوري مجتزأ “يطمح” لحلِّ سورية ويؤسس لخراب دائم، وصراعات بينيّة مستمرة ومتلاحقة.
ففي تزامن معهود تحركت “دبابات” مراكز “الثينك تانك” الفكرية المعروفة!! لتطلق تحذيراتها “المعلّبة” من خطر صيني وشيك، وداهم، على تايوان، وتهيأت معامل المجمع الصناعي العسكري الحاكم لتزويد هذه الأخيرة بالسلاح، فيما تراجع ساسة واشنطن، ولو ضمنياً حتى الآن، عن تعهدات سابقة باحترام مبدأ “الصين واحدة”.. ثم تتالت بقية أبيات “الموشّح” المعروفة: تحذيرات رسمية لبكين، دعم كامل لـ “سيادة وحرية واستقلال شعب” تايوان، وإعلان عن زيارات تضامنية لمسؤولين، ثم.. تخلّ عسكري حين تقع الواقعة ونيّة معلنة للقتال حتى آخر تايواني لتهديم أسوار الصين، مع سيل عقوبات اقتصادية هادر.
في الأجندة الأمريكية، كانت “بكين” تسبق “موسكو”. تقدم الأخيرة لا يعني نسيان الأولى. واجب إضعافها وتوريطها في حرب تأخذ مواردها، البشرية والسياسية والاجتماعية، الموجهة لخدمة الصعود الاقتصادي الهائل، نحو هاوية العسكرة والحروب، هو أمر مصيري لـ “روما الجديدة”، خاصة وأن بكين – وإن كان نمط صعودها الإمبراطوري يفترض النأي بالنفس عن سلوك طرق الحرب – لا تملك “رفاهية” ترك تايوان كـ “حصان طروادة” غربي في ربوعها، ففي هذه الأخيرة تتشاطر ضرورات الأمن القومي لدولة كبرى مع تاريخ شعب ورؤية بلد وتطلعات إمبراطورية.
هنا، وبدل “الناتو”، ومعه، سيكون “أوكوس”، وبدل أوروبا – ومعها أيضاً – ستكون اليابان التي قد تتحوّل، كما أوروبا في حالة أوكرانيا، إلى طرف رئيس، ففي بحر الصين تنتشر، كما أوضح أحد الكتّاب، “مجموعة هائلة من الجزر التي يدور حولها نزاع تاريخي بين الصين واليابان وفيتنام ولاوس وكمبوديا، ويفتح استثمار حقول الغاز البحرية المكتشفة أفقاً جديداً لهذا النزاع، وفاوضت تايوان مع اليابان على تسويات حول بعضها كادت تفجّر عام 2015 نزاعاً صينياً يابانياً”.
وغالباً لن يكون أمام طوكيو رفاهية “الحياد”، لأن تورّطها، أو للدقة توريطها، هو هدف أمريكي أيضاً، فكما لم يضّر واشنطن تورّط “القارة العجوز” في أوكرانيا “لن يضيرها أبداً تشجيع اليابان للتورّط في حرب تدمير متبادل مع الصين”، فهدف استنزاف الخصوم وتدميرهم يتوازى في العقل السياسي الامبراطوري الأمريكي مع هدف إضعاف الحلفاء وترهيبهم، ليصبح الجميع طوع يد صاحب الأمر والقرار.
وإذا كنا “نقرأ” الظهور المفاجئ لمسألة حقوق الإنسان في الهند بعد الخلاص من “خان” باكستان، في سياق ترهيب الحلفاء وإعادة ترتيب صفوفهم، فإن “اجتماع استوكهولم” اللافت والمتعلق بسورية يندرج في سياق استنزاف الخصوم وتدميرهم عبر نقل الصراع في هذا البلد، بما يعنيه إقليمياً ودولياً، إلى عتبة حرجة، خاصة إذا “قرأنا”، أيضاً، أمرين اثنين، أولهما، أن “الاجتماع” كان بدفع أمريكي كامل، بدءاً من اختيار الحضور وحتى “كتابة” النص النهائي، وثانيهما، أن “ميليشيا قسد” واكبته داخلياً، بل سبقته ومهدت له، عبر حصار خانق، ومستمر، للحسكة، ومناطق أخرى، بهدف إنهاء أي تمثيل رسمي لدمشق هناك.
خلاصة القول، هدف واشنطن اليوم إضعاف وإشغال الجميع بـ”فخ” هنا، و”حلّ” ملغوم هناك، وذلك “حق مفهوم” في سياق الصراعات العالمية الكبرى، لكن “المفهوم”، و”الحق”، أيضاً أن المجابهة لن تكون ناجعة إلا إذا كانت من جنس “العمل”؛ وبتعابير أخرى أكثر وضوحاً ومباشرة، لا بد من رفع كلفة الاحتلال على المحتلّ.