الحلف الأطلسي لم يتوقف عن التوسع
ريا خوري
تمّ تأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1949 بـ12 دولة. ومنذ عام 1952 إلى عام 1990 تمّت توسعة الحلف بضمّ اليونان وإسبانيا وألمانيا وتركيا، فارتفع العدد إلى 16 دولة. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق ودول حلف وارسو، وعلى الرغم من زوال المخاطر التي كانت ذريعة لقيام حلف شمال الأطلسي، بدأ بالتوسع شرقاً نحو الحدود الروسية من خلال ضمّ بولندا والمجر والتشيك عام 1999، ثم عمد إلى التوسّع أكثر فأكثر من عام 2004 إلى عام 2009 بضمّ بلغاريا وليتوانيا وإستونيا ولاتفيا وسلوفينيا ورومانيا وسلوفاكيا وكرواتيا وألبانيا. ومن عام 2017 إلى عام 2020 تمّ ضمّ الجبل الأسود (مونتينيغرو) ومقدونيا الشمالية، بحيث وصل عدد الدول الأعضاء في الحلف إلى 30 دولة.
وخلال تلك الفترات قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعدة محاولات لضمّ جورجيا وأوكرانيا، لكن فشلت بسبب رفض فرنسا وألمانيا، إلا أنّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تيأس وبقيت تحاول دون توقف. كما أنها عمدت إلى عقد العديد من الاتفاقيات العسكرية والاستخباراتية مع الدولتين تتناول عمليات تسليح نوعي وتدريب خاص، بانتظار نضوج الظروف السياسية والدولية المؤاتية لعملية الانضمام.
في المقابل، كانت جمهورية روسيا الاتحادية طوال سنوات ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق تستشعر خطر توسّع الحلف باتجاه تخومها الغربية، والإصرار على ضمّ الدول الأوروبية الشرقية التي كانت جزءاً من مجالها الحيوي. وكان مصدر قلق روسيا هو هذا الزحف غير المبرّر لحلف الناتو طالما أنّ مبرّر وجود الحلف قد انتهى مع تفكك الاتحاد السوفييتي.
والأهم من ذلك أن روسيا خلعت رداء الماركسية، وانتهجت الرأسمالية الليبرالية نهجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حتى أنها في عام 1994 عقدت اتفاق شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي. وفي محاولة منها أيضاً لتطمين الدول الغربية عمدت عام 1997 للانضمام إلى ما بات يعرف بـ”مجلس روسيا– الأطلسي” الذي يمنحها دوراً استشارياً مهماً عند مناقشة الأمور ذات الاهتمام المشترك. ولكن القيادة السياسية والعسكرية والاستخباراتية الروسية أدركت أن صوتها لا أثر له، فقرّرت الانسحاب منه مع ازدياد خوفها من أن يتمّ استغلال وجودها في المجلس لتوسيع الحلف أكثر فأكثر، وعدم الاهتمام لكل مطالباتها بالتوقف عن التوسّع الذي يترافق مع بناء قواعد عسكرية ونشر أسلحة فتاكة وصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى.
الآن، ومع اندلاع الحرب مع أوكرانيا، ومبادرة (الناتو) إلى تقديم مختلف أشكال الدعم العسكري لها، أدركت القيادة الروسية أنها تحوّلت إلى هدف مباشر للحلف، ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية بقصد تقويض قدراتها العسكرية والاقتصادية التي تتصاعد بشكلٍ واضح، مع نيّة استمرار التوسع من خلال تحريض السويد وفنلندا على تقديم طلب الانضمام إلى الحلف خلال قمته المرتقبة في العاصمة الإسبانية مدريد أواخر شهر حزيران المقبل، الأمر الذي اعتبرته روسيا استفزازاً خطيراً، لأن كلتا الدولتين محاذيتان لروسيا، وهدّدت بنشر أسلحة نووية وكيماوية وجرثومية.