مع اضمحلال الطبقة الوسطى.. الهوة تتسع عبر توزيع “مشوّه” للدخل وكسر سلاسل الاستهلاك..!
دمشق- ريم ربيع
لم يعد لأمثال شعبية من قبيل “ناس بسمنة وناس بزيت”، أو “العز للرز والبرغل شنق حاله”، أن تعبّر عن فارق طبقي أو معيشي كما كانت سابقاً، فالهوة التي تزداد مع كل “ألف ليرة وسطياً” تزيد بسعر أي منتج، جعلت “ناس الزيت” ينضمون إلى “ناس السمنة” ليقف في مواجههم ناس “عالناشف”، كما انضم البرغل إلى عز الرز، وخرج من وصفات الفقراء مثله مثل الفلافل والخضار، وما كان يعرف يوماً بأكلات شعبية.
تجاوز التزايد المتسارع في “التفاوت” المجتمعي ما كان يوصف بغني وفقير، إذ أصبح التوصيف اليوم أقرب للثراء الفاحش أو الفقر المدقع، وذلك مع اضمحلال الطبقة الوسطى، وانخفاض الأجور، والقفزات الهائلة بمعدلات التضخم، والخلل في توزيع الثروات، ما ساهم بنشوء شريحة من أباطرة المال بأنماط استهلاكية شاذة لم تكن تظهر بهذه الفجاجة سابقاً.
عمّقت المشكلة
ومع ترسّخ هذا النمط الجديد في تصنيف المجتمع، لم يكن لبعض القرارات والتصريحات الحكومية سوى أن عمّق المشكلة، وأعلن بكل صراحة ووضوح أن من يملك المال يحصل على ما يشاء، سواء في آلية الحصول على المحروقات، أو منح جوازات السفر، أو دلال “الخطوط الكهربائية الذهبية”، ولو على حساب زراعة وصناعة تحتضر، وفي تصريحات “المواطن العادي” و”السيارات الخاصة” التي تحوّلت إلى “تريندات”، مؤخراً خير دليل على ذلك.
10% وسطى!
أستاذ الاقتصاد الدكتور زكوان قريط أوضح أن الخلل في توزيع الثروة هو ما شكّل هذا التفاوت، فأصحاب الدخل المحدود راتبهم شبه ثابت، أما أصحاب المهن الحرة فقد زادت كل مستحقاتهم وتعويضاتهم، يضاف إلى ذلك تجار الأزمة الذين مارسوا دوراً خطيراً في الاحتكار والاستفادة من الأزمة لتحقيق أرباح فاحشة.
وأكد قريط أن الطبقة الوسطى تندثر اليوم بعد أن تحول أفرادها لتحت خط الفقر، وفي ظل غياب الإحصائيات الرسمية يمكن تقدير أنها لا تتعدى 10%، فيما كانت قبل الأزمة 60%، وهي اليوم تضم الفئات العاملة في القطاع الخاص، وبعض المهن الحرة.
قفزة جريئة
وعن الحلول، شدّد قريط على ضرورة إعادة توزيع الدخل الوطني، وتوجيه تلك الثروات إلى عجلة الإنتاج لننطلق بعملية إنتاجية تدعم سير الاقتصاد بأسس صحيحة لتطوره، وتحقيق العدالة في المجتمع، مع التأكيد على عدالة الأجور، وإحداث قفزة جريئة وليست خجولة مقتصرة على 20-30% لتسد الفارق المجتمعي.
ولم ير قريط رؤية جيدة للاقتصاد مستقبلاً إن استمر هذا الواقع “المشوّه” على ما هو عليه، حيث توجد شريحة تلهث وراء الكماليات والمظاهر المترفة مقابل الفئة العظمى التي تبحث عن “لقمة الخبز”.
سكتة اقتصادية
الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف اعتبر أن مسببات هذه الظاهرة بدأت بالحرب الإرهابية التي تلاها الحصار والحرب الاقتصادية، إضافة إلى غياب أية إجراءات لمواجهة انهيارات القدرة الشرائية لليرة السورية، وتغول التجار، والفساد المستشري، كل ما سبق أدى لتراجع الطبقة الوسطى وتحوّلها إلى طبقة فقيرة.
وأشار يوسف إلى حدوث ما يشبه سكتة اقتصادية نتيجة كسر سلاسل المستهلكين، فلم تعد هناك قدرة لاستهلاك المواد المنتجة، ما أدخلنا في مرحلة تضخم وكساد، ومع كل الآثار التي نلمسها اليوم لهذه المتغيرات، إلا أن النتائج ستكون أخطر مستقبلاً، وقد نكون مقبلين على تبعات اقتصادية أخطر من قبل إذا استمر التعامل مع المتغيرات على ما هو عليه.
ركيزة الاقتصاد
وأوضح يوسف أن الطبقة الوسطى عادة ما تكون الحامل الأساسي للاقتصاد في أية دولة بالعالم، فهي تنفق على الطبقة الفقيرة، وتستجر إنتاج الطبقة الغنية، وحين تغلب الطبقة الوسطى يحدث توازن اقتصادي بين كل فئات المجتمع، إلا أن نسبتها حالياً لم تعد تتجاوز 1%، فيما تحوّل 3% من المجتمع إلى طبقة فاحشة الثراء، والباقي طبقة فقيرة من بينها 70% يعيشون في الفقر.
وبيّن يوسف أن كل إجراءات رفع الدعم، والتعداد بأسعار حوامل الطاقة، ورفع الأسعار، وندرة المواد، تؤدي لتوسع الشرائح الفقيرة، وكأن هناك عداوة مع الطبقة الوسطى التي تتحوّل تدريجياً للفقر، موضحاً أنه إذا تم تركيز الدعم فقط على حوامل الطاقة ستستفيد منه كل الفئات على حد سواء.
إزالة المسببات
أمام المظاهر المتناقضة في عادات الاستهلاك التي تكشف فروقات شاسعة بين غني وفقير، رأى يوسف أن ذلك من مفرزات الحرب التي شكّلت طبقة أثرياء حرب على حساب فقراء معدمين، وذلك مقابل تجاهل حكومي كامل، فكيف لنا ونحن في حصار وأزمة معيشية خانقة أن نجد كل أنواع الكافيار، وأحدث السيارات في البلد!.
أما معالجة هذه الظاهرة فهي – بحسب يوسف – مسؤولية حكومية بحتة، ويجب أن تكون على المدى الطويل عبر إزالة المسببات أولاً من خلال الدعم الحكومي للاقتصاد، واستقرار حوامل الطاقة التي تسبب الهوة الأكبر بين المنتج والمستهلك.