“القومية العربية وقدرة الحزب على مواجهة التحديات العصرية”.. مناقشة جريئة في “ملتقى البعث للحوار”
دمشق – رامي سلوم
تميز ملتقى البعث للحوار الذي نظمه فرع دمشق للحزب، يوم أمس، بمناقشة جريئة حول الأفكار والقضايا التي تواجه المجتمع والشارع البعثي وغيره في الآونة الاخيرة، والتي تظهر في المداولات العامة أو على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال بث دعوات من قبيل “سورية أولا”، ومحاولة تحميل القومية العربية وزر التداعيات الحاصلة في المنطقة، وخصوصا سنوات الحرب الطويلة على سورية.
وأجاب ضيوف الحوار، الدكتور بسام أبو عبد الله، والدكتور ابراهيم علوش، على تساؤلات الحضور التي تعكس، في جانب منها، هواجس قطاعات لا بأس بها من المجتمع السوري، وشعورها بالخذلان من دور بعض الأشقاء العرب ومسؤوليتهم إزاء الحالة التي وصلت إليها الأوضاع في سورية ومحاولات التدمير الممنهجة لأدوات نموها وصمودها، إضافة لتساؤلات حول راهنية الفكر القومي، ودور الحزب وقدرته على الاستمرار كحاضنة أساسية للأكثرية الوطنية على اختلاف انتماءاتها.
وركز الملتقى الذي أداره الرفيق سليم محرداوي، رئيس مكتب الإعداد الفرعي، على أزمة الهوية والإنتماء، وعوامل القوة والضعف في المشروع القومي، ودور الحزب في مواجهة التحديات، وكيفية استعادة “البعث” لموقعه الريادي، ، ومدى قدرته على الاستمرار بوصفه بوصلة فكرية للمستقبل في ظل التطورات السياسية والتكنولوجية والهجمات الدعائية الراهنة.
وأوضح الدكتور علوش أن اختصار سورية بحدود سورية الإدارية انتكاس للقومية العربية وللدور السوري فيها، مبينا أن الارتباط العضوي العربي ليس وليد فكرة جيوسياسية، فواقع سورية التاريخي من حيث الحدود مع الأناضول ومواجهة التحديات والأطماع التاريخية بهذه الأرض كان يتم من خلال امتدادها العربي جنوبا، وارتباطها مع محيطها.
وأشار علوش غلى أن البديل للإطار العربي هو أن تبقى سورية وحدها، أو بمعنى عزل سورية عن محيطها، معتبرا أن القومية العربية تعمل بمفهوم سورية الرسالة، وكذلك بالنسبة لباقي الأقطار العربية، ولذلك لا يمكن حد القومية العربية بالنهج الذي تتبعه السلطة الإدارية في أقطار عربية أخرى، فالفكر العروبي والقومية العربية امتداد وجداني إنساني، ورسالة راسخة عبر عقود من الزمن، عبر واقع حضاري وسياسي وجغرافي لا يمكن الحديث عن الانفصال عنه، وكأنه حديث عن نقل الجغرافيا والتاريخ والحضارة من مكانها إلى مكان وإطار آخر في منطقة وجوار جديدين.
وأشار علوش إلى أن الهجوم على القومية العربية يستهدف شطب مرحلة واسعة من تاريخ سورية الرسالة، والتخلي عن تاريخ ونضال طويل خصوصا خلال السنوات الخمسين الأخيرة، مؤكدا أن المؤامرات التي تعرضت لها القومية العربية مستمرة منذ عصور، وأن هذه الصراعات ليست جديدة على القومية العربية التي تمتلك الأدوات والخبرة في مواجهتها، وتدرك بأصالتها أهداف الأدوات المتغيرة لهذه الهجمات، وقد تمكنت من الانتصار عليها، وتجديد ألقها في كل مرحلة من المراحل.
من جانبه، أوضح الدكتور بسام أبو عبد الله أن المقصود بالقومية العربية لا يعني العروبة الرسمية، بل العروبة بمفهومها الثقافي والحضاري، وأكد أنه لا يمكن إخراج سورية من محيطها وحضارتها ورسالتها، فالخلط بين المفهومين العروبي الثقافي والعروبي الرسمي في غير محله، ذلك أن عروبة سورية متأصلة منذ التاريخ على اختلاف مشارب إداراتها السياسية، وعبر تاريخها، ومنها إدارات ورؤساء من مشارب غير عربية، غير أنها تنتمي للنسيج والمخزون الثقافي العربي.
ولفت أبو عبد الله إلى أن التسامح السوري حقق نسيجا نادرا في العالم، بتنوعه العرقي والديني، والاندماج الفكري والثقافي والأخلاقي ضمن واقع الثقافة العربية والامتداد العربي على الرغم من تنوع الفسيفساء السورية، رافضا الحديث عن “التعايش”، بحيث يبدو وكأنه عنصر دخيل مفروض بقوة السلطة، بينما هو تنوع تاريخي على أرض احتضنت الحضارات والأديان منذ فجر التاريخ، وحققت نهضتها بتكاتف جميع سكانها.
وأوضح ابو عبد الله أن البديل عن المشروع القومي العربي هو المشروع الصهيوني، والتحول إلى دويلات متناحرة وفقا للعرق أو الدين أو غيرهما، ولذلك يتم تسويق هذه الأفكار غير المنتجة متخفية تحت ظل الأزمات التي أسستها وابتدعتها تلك الأيادي نفسها نتيجة لتراجع الفكر القومي العربي لدى البعض.
وقال إن الحزب حقق إنجازات واسعة في مختلف المجالات، ويمتلك امتدادا شعبيا واسعا، كما تحقق اهدافه تطلعات الجماهير، غير أنه لم يعتد التسويق لإنجازاته، الأمر الذي لابد من تعزيزه اليوم بأدوات ووسائل عصرية يمكنها الوصول إلى مختلف فئات المجتمع، وخصوصا الشباب، لدعم صموده ضد الهجمات الفكرية التي تعتمد تلك الوسائل في إيصال رسائلها المسمومة إلى المجتمع، بهدف فصله عن واقعه، وتشويه تاريخه، وإضعاف شعوره بالإنتماء من خلال إضعاف إنجازاته وتهميشها.
وأجاب أبو عبد الله على تساؤلات الحضور، لافتا إلى أن المشروع القومي ناضج ويمكنه مواجهة التحديات الراهنة والعودة إلى صدارة الوجدان العربي، فالقضية الفلسطينية بقيت راسخة في وجدان الشارع العربي رغم محاولات التشويه والتعتيم، وهو ما يبدو واضحا مع كل مواجهة تحصل في الأراضي المحتلة. وتابع بأن عوامل الضعف في المشروع القومي العربي ليست بنيوية بل إدارية، ولذلك فإن التساؤل حول دور البعث بوصفه القائد للقومية العربية فيه مبالغة في التخوف، كون البعث ليس ظاهرة مرحلية بل قام على تحليل ودراسة علمية للواقع، مع تميزه بقدرته الدائمة على التغيير في الأدوات والثبات في الاستراتيجيات، بديناميكيته المعروفة، وتطوره الفكري المستمر.