دراساتصحيفة البعث

لهذه الأسباب أطاحت الولايات المتحدة بـ عمران خان

هيفاء علي

بالتأكيد تقف الولايات المتحدة وراء الانقلاب الذي أطاح برئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان واستبداله بـ شهباز شريف. أصبح عمران خان رئيس وزراء بلد يبلغ تعداد سكانه 220 مليون نسمة، ومزوّد بالأسلحة النووية، بعد أزمة دستورية استمرت أسبوعاً، وبعد أن نجا عمران خان من محاولة أولية للمعارضة للإطاحة به، حلّ البرلمان ودعا إلى انتخابات برلمانية جديدة لمنح الشعب فرصة للتحدث دون الاعتماد على الرافعات المتاحة للولايات المتحدة وحلفائها في النظام السياسي الباكستاني. لذلك أبطلت المحكمة العليا قرار حلّ المجلس وأجازت التصويت على اقتراح بحجب الثقة، كانت نتائجه معلومة سلفاً بسبب تفكك الائتلاف بزعامة عمران خان وانشقاق عشرة نواب عن المجلس بأوامر من الولايات المتحدة التي ضاعفت في الأشهر الأخيرة بوادر السخط على الزعيم الباكستاني بسبب استقلاليته وخياراته في السياسة الخارجية.

وكان خان قد أشار الى تسريب مسجل لرئيس مكتب جنوب آسيا في الخارجية الأمريكية ويُدعى “دونالد لو” قال فيه إن العلاقات ستكون أفضل إذا ترك رئيس الوزراء منصبه، وحذّر ممثل باكستان لدى الولايات المتحدة “أسد مجيد” من أنه ستكون هناك تداعيات إذا نجا رئيس الوزراء الباكستاني من التصويت بحجب الثقة في الجمعية الوطنية. ومعروف للجميع أن “تغيير النظام” هو أمر ثابت في سياسة واشنطن، التي تنشر سلسلة كاملة من الأدوات تتراوح من “الثورات الملونة” كما فعلت في جورجيا، أوكرانيا، إلى الانقلاب القضائي ضد لولا في البرازيل، أو من خلال الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية للتخلص من القادة الذين لا ينصاعون لها ولا يحتمون بعباءتها، حتى لو تمّ انتخابهم ديمقراطياً. لذلك تمت الإطاحة بـ عمران خان بسبب الزخم المستقل الذي أعطاه للسياسة الخارجية لبلاده، بعيداً عن الانحياز الأعمى لسياسة الولايات المتحدة.

كما عمل على تطوير شراكة جيوستراتيجية مع الصين، في الوقت الذي شرعت فيه واشنطن في مواجهة متعددة الأوجه مع بكين التي أصبحت القوة الاقتصادية الرائدة في العالم. وفي هذا السياق، تعمل الصين على تطوير البنية التحتية الرئيسية للموانئ في جوادار، جنوب غرب باكستان على الحدود مع إيران. وتعتبر هذه المشاريع العملاقة جزءاً من استراتيجية الممر الصيني الباكستاني الجديد عبر جبال الهيمالايا، و”طرق الحرير الجديدة” التي تتكوّن من إتقان الطرق البرية والبحرية بين شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا. بالإضافة إلى ما سبق، هناك أسباب أخرى دفعت الأمريكيين للتخلص من عمران خان، فهم يحمّلونه المسؤولية جزئياً عن هزيمتهم المخزية والمدوية في أفغانستان بسبب رفضه إشراك الجيش الباكستاني وقوات الأمن بشكل فعّال في الحرب ضد حركة طالبان الأفغانية. فبالنسبة لعمران خان، كانت الولايات المتحدة قوة محتلة في أفغانستان وكان الأمر متروكاً لها لإدارة الوضع الذي خلقته هناك.

زيادة على ذلك، وفي السنوات الأخيرة، كان رئيس الوزراء الباكستاني السابق على خلاف مع الخيارات الأمريكية في السياسة الخارجية، حيث رفض أن يكون جزءاً من التحالف ضد اليمن، وامتنع عن المساهمة في عزل إيران، وابتعد عن عملية تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” التي أطلقتها الدول العربية بتشجيع من الولايات المتحدة. ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت رفض عمران خان الثابت مواكبة قرار الغربيين معاقبة روسيا بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا، بل وفوق ذلك سافر عمران خان إلى موسكو في اليوم الذي بدأت فيه العملية الروسية حيث ظهر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين.

وكان عمران خان قد استذكر في الأشهر الأخيرة “التضحيات” التي طالبت بها باكستان للانضمام إلى “الحرب ضد الإرهاب” التي شنّتها الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 أيلول. وبينما كانت الأزمة السياسية في ذروتها في باكستان، كشف عمران خان أن أحد الأسباب الرئيسية لغضب الولايات المتحدة عليه هو رفضه إقامة قواعد عسكرية أمريكية في بلاده.

لكن حتى لو حاولت وسائل الإعلام الغربية والنخب السياسية الباكستانية الموالية لأمريكا إعطاء الأزمة في باكستان بعداً داخلياً، ولاسيما فيما يتعلق بالإدارة الاقتصادية لرئيس الوزراء السابق، فلا شك أن عمران خان قد أطيح به بسبب طريقة حكمه القائمة على الرغبة في أن تكون له سياسة خارجية تتمحور حول المصالح الإستراتيجية لبلاده وليس حول الرغبات الأمريكية.