الغرب يقرّ بعجزه عن تحقيق خرق في جدار الاقتصاد الروسي الصلب
تقرير إخباري
لا تزال تداعيات العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا من جانب واحد تلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية في الدول المبادرة، حيث بدأت بالارتداد بشكل عكسي عليها نتيجة اتخاذها قرارات متسرّعة في هذا الاتجاه دون تأمين البدائل، ولم تتمكّن إلى الآن أغلب الدول الأوروبية من تحديد وجهة أخرى لمستورداتها من النفط والغاز الروسيين، وذلك أن منشآتها وموانئها غير مؤهّلة سلفاً لاستقبال الكميات ذاتها من النفط والغاز التي يتم توريدها من روسيا عبر الأنابيب، فضلاً عن صعوبة تغطية حاجتها كاملة من المادتين، وخاصة الغاز.
وآخر ما حرّر في هذا السياق، ما قاله المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، من أن دول الاتحاد لم تتوصل حتى الآن إلى إجماع حول حظر استيراد النفط والغاز من روسيا.
وأضاف بوريل، في مقابلة نشرتها اليوم الاثنين صحيفة دي فيلت الألمانية: “في الوقت الحالي، ليس لدينا موقف موحّد في الاتحاد الاوروبي بشأن هذه القضية”.
وأشار بوريل إلى أن ذلك ينطبق أيضاً على ما يسمّى العقوبات البديلة، بما في ذلك الرسوم التأديبية على واردات النفط والغاز من روسيا.
ونوه بوريل بأنه ستتم مناقشة هذا الموضوع مرة أخرى في قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة في نهاية أيار، وحتى ذلك الحين ستستمر المناقشة.
وقال بوريل: إن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، “صرّحت بوضوح شديد” بأنها لن تدعم فرض حظر على استيراد النفط والغاز من روسيا.
وكانت قناة “فرانس 2” قالت أمس: إن سفن شحن روسية عالقة في الموانئ الفرنسية منذ ما يقرب الشهرين بسبب العقوبات وتضطر السلطات المحلية لتسديد كلفة تحرّكاتها داخل الموانئ.
وتؤكد القناة أن سفن الشحن الروسية المحملة بالسيارات أو المواد الكيميائية عالقة في الجمارك الفرنسية بسبب خضوع أصحابها لعقوبات ضد روسيا.
وعلى سبيل المثال، في مدينة سان مالو الساحلية في بريتاني، سفينة روسية طولها 141 متراً، ويجب تحريكها باستمرار بالقرب من الرصيف لإفساح المجال للسفن الأخرى.
ووفقاً لستيفان بيرين نائب رئيس المجلس الإقليمي لبريتاني، كلما طال وقت وقوف هذه السفينة، زاد عدد هذه التحرّكات. وقال: “حتى لو بدا الأمر وكأنه مجرد تحرّكات صغيرة في الميناء، فإنها تكلف الكثير من المال في كل مرة”.
وحسب معلومات القناة، تم حتى الآن إنفاق حوالي 50 ألف يورو على إحدى السفن الروسية، سدّدت بريتاني معظمها، وتطلّب ذلك مساعدة من الدولة.
وتؤكد القناة أن بحارة هذه السفن الروس يخضعون للحجر الصحي في الموانئ الفرنسية، ورغم حصولهم على رواتبهم الشهرية بانتظام لكن بطاقاتهم المصرفية لا تعمل في فرنسا.
ولم يقتصر هذا التخوّف والتحوّط على دول الاتحاد الأوروبي، بل بدأت التقارير السلبية تظهر تباعاً في الدوريات الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية حول الآثار الكارثية التي يمكن أن تجرّها العقوبات الأمريكية على أهم مرتكزات الاقتصاد الأمريكي وهو الدولار، حيث ترى مؤسسات مالية دولية وغربية أن سياسة العقوبات غير المسبوقة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد روسيا، قد تقوّض هيمنة الدولار العالمية.
وقال الصحفي برانكو مارسيتيك في مقالة نشرتها صحيفة Jacobin: إن هذه المخاوف، صدرت عن جهات مختلفة، من صندوق النقد الدولي إلى بنك الاستثمار “غولدمان ساكس”.
وترى المقالة، أنه قد يتحوّل قرار القيادة الأمريكية بفرض إجراءات تقييدية ضد موسكو، إلى خطأ استراتيجي بالنسبة لواشنطن.
وأضافت: “سيكون من سخرية القدر، أن تلحق المنظومة المالية بقيادة الدولار ضربة تصيب نفسها”.
وأشارت المقالة إلى أن الولايات المتحدة قد تفقد الميزة التي سمحت لها باستيراد أكثر ممّا تصدّر دون التعرّض لخطر انهيار سعر الصرف أو ارتفاع أسعار الفائدة.
وتابعت المقالة: “يعتقد الخبراء أن الإجراءات الحادة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في محاولة لمعاقبة روسيا زادت من رغبة الدول الأخرى في التوقف عن الاعتماد على الدولار الأمريكي، وكذلك على النظام المالي الذي تدعمه”.
وخلص مارسيتيك إلى أن العديد من الدول لم تعُد تعتبر البنوك الغربية مكاناً آمناً لأصولها، واستنتج أن الاعتماد على الدولار كأصل احتياطي أو على البنية التحتية المالية التي تقودها الولايات المتحدة، يجعلها عرضة للخطر في حال حدوث تغيّرات جيوسياسية.
وبالمحصلة، هذا التخبّط في تقدير جدوى العقوبات أو النتائج المرجوة منها، يؤكّد مرة أخرى أن الجانب الغربي يعتمد في كثير من قراراته على الصدى الإعلامي الذي يمكن أن تحدثه، وذلك دون البحث في آثار هذه العقوبات على اقتصاده وحتى حتمية بلوغها الغايات المرجوة منها.