رؤية جديدة للمفاهيم السردية في بنية القصة القصيرة جداً
(القصة القصيرة جداً – رؤية تأصيلية) عنوان الكتاب الجديد للدكتور محمد ياسين صبيح رئيس رابطة القصة القصيرة جداً في سورية، ويأتي بعد إصداره العديد من المجموعات والكتب النقدية. وقد صدر الكتاب عن دار النشر الأردنية (خطوط وظلال).. “البعث” حاورت د. صبيح حول الخطوط العريضة للكتاب وما يتضمنه من رؤى نقدية.
ما أهمية القصة القصيرة جداً حالياً؟
القصة القصيرة جداً بقصرها وبطريقة صياغتها تمثل أسلوباً جديداً للكتابة، يختلف عن أسلوب صياغة القصة القصيرة، فهي تحتاج إلى السرعة والتكثيف والإيحاء، حتى تبرق وتعطي الرؤية اللحظية التي تدلّ على الفكرة التي تأتي مكتملة أو متعالقة مع فكرة أخرى مضمرة في النهاية حينما نصل إلى المفارقة. وتكمن أهميتها بأنها تعطي القارئ جرعة من الأفكار بسرعة لحظية تدفعه إلى التفكير، كما أنها تماهي التطور التكنولوجي السريع الذي أصبح يدفع باتجاه إنجاز الأعمال بسرعة ودقة، فهي بقصرها تساعد على القراءة السريعة ولو أنها تحتاج إلى التأمل، وهي ليست بديلاً لأي جنس أدبي، بل رديف مهمّ ومكمل للأجناس الأدبية وخاصة القصة القصيرة.
تطرقت إلى رؤية نقدية تأصيلية نظرية وتطبيقية في كتابك، ما هي الأسس التي ركزت عليها؟.
لقد مرّت القصة القصيرة جداً بمراحل عدة، أهمها الإرهاصات الأولية بتجريب كتابة نصوص قصيرة، ولم يسمّها أحد في وقتها “قصيرة جداً”، بل اندرجت تحت تسمية القصة القصيرة، ومن ثم بدأت التسمية عندما تُرجم كتاب نتالي ساروت (قصص قصيرة جداً)، وإن كانت القصص لا تندرج فعلياً ضمن هذا الجنس الأدبي.
ورغم أن بعض المنظرين الأوائل مشكورون على مغامرتهم القيمة، التي فتحت المجال لوضع الكثير من الاعتبارات النظرية لها، إلا أن النقد يجب أن يستمر بإعطاء رؤية تنظيرية وتأصيلية حتى يواكب ما يقدم ويؤسّس لهذا الجنس الأدبي، فرأيتُ أنه من الضروري توضيح الكثير من المفاهيم، التي يجد فيها الكثير من الكتّاب والنقاد التباساً واختلافاً، واعتمدت على التحليل البنيوي والتفكيكي وحتى السيميائي، ولكن الأهم كان الاعتماد على التفكير برؤية جديدة للمفاهيم السردية التي تشكّل بنية القصة القصيرة جداً، حيث تطرق الكتّاب إلى الكثير من المواضيع النقدية التي تهتم بقضايا مهمة جداً، مثل التناص والشعرية والتجريب السردي الخاص بها، إضافة إلى علاقتها الحساسة بالشعر النثري وتداخلاتها معه، والذي يعدّ إشكالية كبيرة ترافق الشعراء وكتّاب القصة القصيرة جداً، وإلى الغوص بتعالقاتها مع الثنائيات اللغوية والضدية وغيرها من المواضيع، حيث تدرس هذه القضايا مع نصوص تطبيقية للكثير من الكتّاب العرب، ما يعزز الفهم الأفضل لماهيتها السردية وتقاناتها المتعددة.
هل اعتمدت على نماذج من الرابطة أم من كتابات الكتّاب والأدباء؟
دائماً في الدراسات البحثية والنقدية الرصينة يجب الاعتماد على نصوص موثقة في كتب صادرة عن دور نشر نظامية، أو في جرائد ومجلات ثقافية ورقية، لذلك لم أعتمد على أية نماذج قصصية من أي منتدى إلكتروني على وسائل التواصل الاجتماعي، بل اعتمدتُ على النصوص المنشورة للكتّاب في مجموعات ورقية أو من الجرائد والمجلات الورقية، وهذا تطلّب مني الكثير من البحث عن نماذج للكتّاب العرب، وأغلب الكتّاب كانوا أعضاء في رابطة القصة القصيرة جداً في سورية.
ما أهمية الكتاب الآن في ظل انتشار هذا الجنس الأدبي بكثرة في وسط الكتّاب العرب؟
الكتاب لا يلغي أو يشك بأية محاولات نقدية سابقاً، بل هو يبني عليها ويكمل ماجاءت به من أفكار ومفاهيم ويناقش بروية هذه الأفكار، فالأهم أن نخرج بمفاهيم واضحة تؤسّس لتطور هذا الجنس الأدبي نسبياً. فيقدم الكتّاب رؤية شاملة للكثير من المفاهيم والمواضيع وحتى تتوضح هذه المفاهيم جيداً، لابد من دعم الكتاب بدراسة تطبيقية شاملة شملت الكثير من الكتّاب العرب، وبالطبع لا يمكن أن نشمل الجميع وإنما من استطعت الحصول على نتاجاته. فكان محاولة جادة لتقديم رؤية نقدية واسعة للكثير من المواضيع الخاصة بالقصة القصيرة جداً التي مازالت تعاني في بعض مواضيعها من الاختلافات بين آراء النقاد، وخاصة حول فهم بعض التقانات والعناصر الخاصة بها، مثل التكثيف والإيحاء والتناص والعلاقة مع الشعر النثري والشعرية وغيرها، وربما سيساهم هذا الكتاب في ترسيخ المفاهيم والتقانات السردية وتأصيل الحالة النقدية والتنظيرية لها، فأهمية الطرح في الدراسة بخصوصية القصة القصيرة جداً التي لم تحظَ بالاهتمام الكافي مثل بقية الأجناس الأدبية السردية الأخرى. فحاولتُ في كتابي أن أخوض عميقاً في قضايا القصة القصيرة جداً، لتقديم رؤية نقدية واسعة ومدعّمة بدراسات تطبيقية واسعة للعديد من الكتّاب العرب الذين نشروا مجموعاتهم عبْر أرجاء الوطن العربي.
لماذا لم تقدم الكتاب لدور نشر سورية؟
أحترم وأقدّر جداً دور النشر السورية المميزة، وأغلب إداراتها من أصدقائي وأعتز بهم وبعملهم الاحترافي، لكن العرض الذي قُدّم من دار (خطوط وظلال) كان جيداً ومناسباً للطبع والتوزيع، وبالتأكيد لي عودة إلى دور النشر السورية في الإصدارات القادمة.
ملده شويكاني