مشاهد “ما شفش حاجة”
بعد انتصاف شهر الصّيام واتّضاح الصّورة أمام المشاهد، وتجاوزه مرحلة الحيرة والارتباك في اختيار ما سيتابع من أعمال درامية وكوميدية، يأتي صوت المذيعة عبر أثيرنا المحلي وهي تسأل أحد المتّصلين عن المسلسلات التي يتابعها؟ وكيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ وأين؟ وتعيد السّؤال مرّة أخرى: هل تتابع هذا المسلسل بسبب النّص، أم كرمى عيني ممثل دون غيره، أم كرمى مخرج أو مخرجة ما؟ فيأتيها الجواب – بما معناه – أنّ العمل الدّرامي عمل جماعي ينجح فيه الجميع ويرسب فيه الجميع وعلى الممثل أن يقدّم أفضل ما عنده ليستطيع إقناع المشاهد بأدائه… جواب أيّدته المذيعة، وأضافت عليه بضع عبارات من شاكلة النّص الجيّد يفشل إن لم يستطع المخرج إيصاله بشكل جيّد، وإن لم يختر له ممثلين مناسبين، لتتبعها مباشرةً بالسّؤال التّالي للمتّصل ذاته: ما هي المسلسلات التي تشاهدها؟ فيجيب باختصار وثقة وجدّية: لا أتابع شيئاً؟؟!!
في الحقيقة، وفي اللحظة ذاتها، لم يخطر على بالي سوى العرض المسرحي “شاهد ما شفش حاجة”، ونطقت بالعبارة مع تعديل بسيط، وقلت: “هذا مشاهد ما شفش حاجة”.. ومن شدّة صدمتي ودهشتي، أنا “المستمعة”، ضحكت مطوّلاً ضحكاً صادقاً، وقلت لنفسي: هذه هي الصّدمة التي يجب أن نصدم بها في الدّراما والمسرح والسيّنما، وهذا هو عنصر المفاجأة الذي ينادي به المعنيون في هذه المجالات، والذي نطبّقه في بعض عملنا بالإعلام، ولـ “الأمانة الصّعبة” – كما كنّا نحلّ بعضنا أيّام الطّفولة – حزنت، وأحسست بشعور المذيعة، و”خجلتها” من المستمعين، وبـ “سطل الماء البارد” الذي سُكب على رأس لم تشغلّه، أو لم تحسن إدارته، وهي تنهي الحديث وتقول له: “شكراً على اتّصالك”.. فهل يعقل أن تسأل المذيعة مستمعاً على أي أساس تختار العمل الدّرامي الذي تتابعه قبل أن تسأله عن اسم العمل؟ وهل يعقل وهي التي تستطلع الآراء أن تقحم ذاتها وتدلي برأيها، بل وتمارس نوعاً من التّوجيه، سواء أكان بقصد أم من دونه؟ فتقيّم الأعمال وتفضّل عملاً على غيره، وتعبّر عن سوء آخر، وإلى ما هنالك.. ولم تكتف مذيعتنا بذلك بل أيّدت مستمعاً آخر في اختياره لأحد الأعمال الدّرامية على الرّغم من أنّ هذا العمل، بالتّحديد، لعب دوراً سلبياً في تشويه صورة أحد المجتمعات من حيث الشّكل والمضمون.
في الحقيقة، أمثال هذا المستمع كثر، ونواجههم في كلّ مكان ومجال، فهناك من كان يبدي رأيه بالصّحافة الورقية وهو لم يقرأ صحيفة بحياته، بل سمع أحدهم يذمّ ويقدح، وسار على خطاه، طبعاً!! وكذا الأمر بالنّسبة لوسائل الإعلام عامّةً، وهؤلاء ما يزالون حتّى اليوم عندما نسألهم عمّا يتابعون في الإعلام المحلي يقولون لا نتابع شيئاً من الإعلام المحلي، وهؤلاء في الحقيقة يتابعون ويدققون ويتصيّدون و”يأكل القطّ” ألسنتهم عند العمل الجيّد، ويصبح بـ “سبع شطلات” عند وقوع خطأ ما، فيظهرون على حقيقتهم، ولن نقول “المرّة” لأنّنا صرنا نعرفهم جيّداً؟!
طبعاً، ولن نتحدث عن المسرح والسيّنما، ونغوص كثيراً، فقط سأذكر مثالاً واحداً كفيلاً بأن نقيس عليه.. منذ سنة تقريباً سألني أحد الزّملاء الصّحفيين العاملين في اختصاص آخر عن العروض المسرحية التي ستقدّم في تلك الفترة، وعن عدم معرفة البعض بها، فأجبته بأنّ المهتمّ بشيء يعرف عنه كلّ ما يريد ولا يفوته أي خبر، فانبرت إحدى الزّميلات لتدلو بدلوها الخشبي، وهي التي كانت تصف خطابنا بذات الصّفة، وتقول: لا يوجد مسرح لدينا، وفي كلّ عام يعيدون عرض مسرحية “روميو وجولييت”!
لا أدري حينها كيف ضبطت أعصابي وسألتها بهدوء: منذ متى لم تحضري عرضاً مسرحياً؟؟ أو بالأحرى هل حضرت عرضاً مسرحيّاً مذ أنهيت مراهقتك؟
نجوى صليبه