الرأي العام والرأي الخاص
لا مشاحة في القول أن الرأي العام يمكن أن يعرف على أنه موقف أو اتجاه عام سلباً أو إيجاباً لجمهور ما في مجتمع محلي أو اقليمي أو دولي نحو قضية عامة تحيط به أو تمس حياته بصورة مباشرة أو غير مباشرة وفي فترة زمنية محددة. ونظراً لأهمية ذلك، يفترض أن يولي السياسيون اهتماماً كبيراً بالرأي العام بوصفه معياراً أساسياً لتوجهات الجمهور ومدى تأييده أو معارضته لسياساتهم وبرامجهم وخياراتهم. وتبرز أهمية الرأي العام في المجتمعات الديمقراطية التي تحترم خيارات مواطنيها ولا تضرب بها عرض الحائط، كما هو حال الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة التي لا تولي أي اهتمام للرأي العام، بل وتعتمد رأي الخاصة أو ما يمكن تسميته الرأي الخاص في أغلب خياراتها وسياساتها وآلية عملها، فهي بهذا المعنى لا تعتبر الشعب مصدر السلطة بل خادماً لها ومؤتمراً بسياساتها وخياراتها فهي تعيش حالة قطيعة تامة معه بل واستهتاراً بآرائه.
وبالعودة للعنوان وتقصي المفهوم، نجد أن مصطلح الرأي العام فرض نفسه في الحياة السياسية والاجتماعية وأصبح يؤخذ بعين الاعتبار في أغلب دول العالم، ولاسيما مع تعدد الأحزاب والجماعات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، ولاسيما في البلدان الديمقراطية التي تعتمد على الإرادة الشعبية في إطار انتهاج السياسات والخطط الاقتصادية والخيارات التي تتعلق بالمصالح العليا للدولة، وأصبح الرأي العام أحد الأدوات التي تستخدمها القوى السياسية المعارضة في نقدها للحكم أو الحكومات القائمة، ويكتسي الرأي العام أهميته بوصفه قوة خفية تمتلك إمكانية التأثير الواسع ولاسيما بعد التطورات التي شهدتها وسائل الاعلام والاتصال خاصة شبكات التواصل الافتراضي العابرة للحدود.
وبالرغم من اعتراف الجميع بأهمية الرأي العام إلا أن هذا المصطلح لا يمتلك مفهوما موحدا، فثمة اختلاف في مفهوم الديمقراطية بين المجتمعات والأنظمة السياسية، ولاسيما العالم المتقدم والنامي، فثمة خلط بين مفهومي الجمهور والرأي العام وذلك لعدة أسباب منها تعدد العلوم البحثية التي تتعرض لمفهوم الرأي العام وبالتالي وضع كل باحث أو مجموعة باحثين تعريفا خاصاً به من خلال التخصص الذي يمارسونه ورؤيتهم، ففي الحياة السياسية يدرس الرأي العام في إطار علاقته مع السلطة أو درجة تفاعل السلطة السياسية مع ما يبديه الرأي العام من مواقف أساسية تتعلق بسياساتها ومشاريعها وأدائها ومدى تفاعلها مع مصالح غالبية المجتمع ورغباته وطموحاته، وبالتالي احترامها لرأي الأكثرية المعبر عنه ومن خلاله ووفقه، ما يعني بالمفهوم العام شرعية وجودها ونهجها وسلامة سياساتها العامة.
إن التوافق أو الاتساق ما بين سياسات الدول وآراء الجمهور هو التعبير الحقيقي عن نجاعة خياراتها. ومن هنا، تؤخذ استطلاعات الرأي العام بعين الاعتبار في انتهاج سياسات أو تغييرها في الدول الديمقراطية، فثمة أحزاب استمرت في الحكم لفترات طويلة من خلال تفاعلها مع الرأي العام واحترامها لرغباته ومصالحه وطموحاته، والعكس صحيح حيث نجد أن حكومات عديدة بل وأنظمة سقطت لعدم احترامها للرأي العام ومتطلباته ورغباته وخياراته، وهذه المسألة مرتبطة بشكل أساسي بطبيعة النظام السياسي وهويته وآليات إنتاجه، وهل هو نتاج عملية ديمقراطية نظيفة وشفافة أم لا.
وفي إطار الحديث عن الرأي العام يطرح السؤال المتعلق بوحدة القياس ومدى تقيدها بالمعايير العامة للاستطلاعات وشفافيتها واعتماديتها ومدى تقيدها بالبروتوكول المحدد لذلك، فثمة استطلاعات رأي عام مضللة وكاذبة لأنها تقوم على حالة افتراضية ونتيجة مسبقة من خلال انتفاء سمة وشرط الموضوعية وحيادية الجهة أو المؤسسة المنفذة واعتماديتها وتبنيها اسلوب الدعاية المنظمة “البروباغندا” في الوصول إلى نتائج تستقيم وتتسق مع رغبات سلطة قائمة لجهة تشكيل انطباع بنجاعة خياراتها وسياساتها فيما يتعلق بإدارة البلاد.
إن تفعيل مؤسسات استطلاع الرأي العام والاستبيانات المتعلقة بقضايا ساخنة هي من المسائل المهمة والضرورية لاستقرار النظامين السياسي والاجتماعي وتصويب السياسات العامة، والأهم من ذلك التعامل مع نتائج استطلاعات الرأي العام باحترام شديد واعتبارها بوصلة الخيارات الصحيحة لجهة حرصها على المصلحة العامة، ففي ذلك احترام لمفهوم المواطنة والشراكة الحقيقية في إدارة المرفق العام وتعزيز ثقافة المواطن المسؤول والشريك الفاعل في عملية البناء والتنمية.. المواطن المنتمي صاحب حس المسؤولية، الحريص والمدافع عن المصالح العليا لبلاده، والغيور على أمن مجتمعه واستقراره وتطوره.
د. خلف المفتاح