الكتاب ويومه العالمي
سلوى عباس
في زمن يعود إلى القرن السابع عشر، أطلق الفيلسوف والشاعر فولتير مقولته: “ليت الكتب تحكم العالم”، لكن للأسف هذه الأمنية لم تتحقق، ولم يعد الكتاب خير جليس في الأنام كما وصفه أجدادنا، ولا وجود مهماً له في حياتنا، وقد يتذكره بعضنا فيزور المعارض التي تقام لأجله لمجرد الزيارة غالباً، وليس للشراء، فأسعار الكتب لم تعد تحتمل، وهذا يؤكد أن الكتاب في تراجع، ونحن هنا نتحدث بشكل عام دون أن يغيب عن ملاحظتنا أن بعض الكتب التجارية تحقق رواجاً وتجتذب فئات معينة، لأن المقياس في إنتاج الكتاب هو احتمال رواجه كمنتج تجاري لا ثقافي، لكن السؤال الذي يحضر هنا، والعالم احتفى منذ أيام باليوم العالمي للكتاب: لماذا يتراجع الكتاب وهو الذي كان إلى وقت ليس بالبعيد يحتل مكان الصدارة في حياتنا الثقافية؟ وهل عزفنا عن القراءة وفقدنا عادتها؟ إذ يلاحظ أن الشريحة القارئة هي الشريحة المتوسطة، وهذه الشريحة في الأقطار العربية كلها تنحسر وتتدنى، ويوجد فرز يضعها خارج منطقة النفوذ والفعل..
هذه الشريحة القارئة، التي كنا نراها دائماً في معارض الكتاب والمكتبات، لم تعد موجودة، وكذلك الشباب الذين كانوا قطاعاً كبيراً من القراء، فالشباب الآن لا يستطيعون شراء الكتاب بسعره الراهن. وكي لا نذهب بعيداً، أتحدث عن معاناتنا نحن، ففي كثير من معارض الكتب التي نرتادها كنا نجد عدة كتب جيدة، ولكن لم نكن نمتلك الإمكانيات المادية لشراء كل ما أردنا شراءه أو حتى نصف ذلك، فالواقع المادي للشرائح القارئة هو الذي دفع إلى انحسار الكتاب وتدني مستوى القراءة، مع أن المعارض – كما نعرف – هي مناسبة للتخفيض في أسعار الكتب، ولو أن غلاء سعر الكتاب ليس السبب الوحيد، لأن هذا السبب ليس معزولاً عن الأسباب الأخرى. فالارتفاعات في الأسعار عامة تضطرنا لوضع أولويات للشراء يستبعد منها الكتاب؛ وهناك من يرى أن مسألة الكتاب والعزوف عن قراءته تعود، إضافة لما ذكرنا، إلى أسباب ثانية، كمزاحمة الوسائل الإعلامية والتلفزيون تحديداً، والجميع يعرف أن هذه المزاحمة مهمة، وسبب آخر هو ما مر به العالم في السنوات الأخيرة من تخبطات وحروب وأوبئة، ما أدى لإصابة الناس بإحباط رهيب.
وبالمحصلة، كل ما نراه على مستوى الثقافة، بما في ذلك الكتاب، لا يملك أي توجه محدد في نطاق الانتماء إلى العصر، وأزمة الكتاب هي جزء من أزمة الثقافة العربية ككل، واليوم تهيئ المكتبات الرقمية ظروف توفر الكتاب الالكتروني والوصول اليسير للقراء أينما كانوا، رغم أنه ليس الجميع سعداء بالكتاب الإلكتروني رغم ما حققه من تطورات على صعيد النشر والتأليف والترجمة والتوزيع والوصول اليسير للقراء أينما كانوا، ولا تزال المعركة محتدمة بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، والإقبال اللافت الذي تشهده المكتبات ومعارض الكتاب العربية السنوية تخبرنا أن الكتاب الورقي ما زال يحتفظ بجاذبيته وخصوصيته وأنصاره، وفي ظل الظروف الصعبة الاقتصادية والاجتماعية وإغلاق المكتبات وغيرها من أسباب، تشكل مناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للكتاب نافذة للإطلاع على ما أبدعته العقول والثقافات لتجديد العلاقة والصداقة مع الكتاب، وإعادة الاعتبار له كخير جليس والتغلب على ظروف العزل الاجتماعي، وتخفيف الشعور بالوحدة، وتحفيز قدراتنا الذهنية والإبداعية.