د. نجلاء الخضراء: الفرق الغنائية الفلسطينية التراثية شكل من أشكال المقاومة
وقفت الأغنية التراثية الفلسطينية حاجزاً منيعاً في وجه محاولات طمس الهوية الفلسطينية، وسرقة التراث الفلسطيني من قبل الصهاينة، فانتشرت فرق عدة وثّقت بالكلمة والموسيقا هذا التراث.
“البعث” تحاورت مع د. نجلاء الخضراء الباحثة بالتراث حول دور الفرق الغنائية في حفظ التراث الفلسطيني وتطويره.
ما أهمية الأغنية الشعبية الفلسطينية في إحياء التراث؟.
الأغنية الشعبية تولد في كل لحظة وكل ساعة ومن كل فم ليعبّر الإنسان عن مشاعره، لكن الأغنية قد تموت بعد زوال الحاجة إليها، وقد تعيش وتخلد على أساس أنها أثر فني يملك عناصر التأثير والجمال ويحتوي على مقامات البقاء، لأنها تعبّر عن لحظة نفسية وتعكس واقعاً مادياً حياً.
وبتراكم هذه الآثار ينمو الفن الشعبي مع التطور ويصبح وجوداً مجرداً ذا تأثير مادي ولا علاقة له بالحاجات والأوضاع التي خلقته، وما زال إحياء الأغاني الشعبية غير ممثل إلا لقسم ضئيل منها، لأن الإحياء يتخذ طابعاً شكلياً، ولم يدرك الفنانون بعد أن الإحياء ليس عملية محصورة في إيقاظ الألحان الشعبية، بل في عملية خلق وإبداع لأشكال جديدة تتناسب مع المحتويات الجديدة لأحاسيس الجماهير في بلادنا، وشرط نجاحها الارتباط المباشر بأماني الشعب ومشاعره وليس الابتعاد عنه، ولعملية إحياء الأغنية الشعبية محتوى وطني مرتبط بدلالات الأغنية الشعبية نفسها التي يمكن أن يقال عنها: إنها الوجه الحقيقي الصادق الوطني لمجموع تراثنا ومستقبلنا الموسيقي.
مَن أشهر الفرق الغنائية التي كان لها دور باستمرار الأغنية التراثية؟.
ساهمت بعض الفرق الفلسطينية في الداخل والخارج بإحياء التراث الموسيقي الفلسطيني وتطويره، وقد أدخلت عليه بعض التطور، ما جعل شبيبتنا الآن تقبل على سماع موسيقانا التراثية وتطرب لها، لتوافقها مع الخصائص والمقومات الوجدانية والعاطفية والثقافية لهذا الشعب. ومن أهمها فرقة العاشقين (اطلع معانا الجبل تلقى البواريد الثورة شمس الأمل.. ياثورتي قيدي يا صويحبي هالوطن.. حنا شراينه أرواحنا هيه الثمن.. وبدمنا نزينه)، وفرقة الحنونة وفرقة الفنون الشعبية في رام الله وفرقة يعاد للفنون الشعبية في الناصرة وفرقة ديرتنا وفرقة شقائق النعمان وأصايل وجبرا وغيرها. فكلها عملت للحفاظ على المأثور الشعبي من أهازيج وتيمات لحنية ورقصات شعبية، تؤكد هويتنا الفلسطينية العربية ونؤكد من خلالها على حقنا بأرضنا وميراثنا الشعبي.
تعقيباً على كلامك ما هو التطور الذي أضافته هذه الفرق؟
قدّمت التراث بصورته النقية باستعمال أسلوب علمي لا يحتوي التكرار ويثير الملل، واستمدت مقومات الأغنية الفلكلورية من البلد الذي انطلقت منه ونشأت فيه، فكان البعد اللحني، أي الجملة الموسيقية تضع السامع في الأجواء الفلسطينية، فخدمت هذه الفرق التراث الشعبي وجعلته يصمد أمام كل التحديات وكل غزو خارجي، فاستعاد مكانته بين مختلف الشرائح العمرية ومن ثم حفظه وتعليمه.
ماذا عن الثنائية التي تكوّنت بين فرقة جذور والشاعر خالد أبو خالد؟
الأغاني التي نظمها خالد أبو خالد ولحنتها وغنتها فرقة جذور رسخت فهماً جديداً للأغنية الفلسطينية المقاومة، فقدموا الأغنية بلغة إبداعية حديثة اعتمدت على المخزون الشعبي، وعلى القصر في الجمل واللحن البسيط المتسلسل باتجاه هابط صاعد، فكانت الموسيقا الحرف والكلمة: (البطل نادوا عليه والحمل كله عليه الوطن نادى علينا نقلع الشوك بأيدينا)، إذ تمسك الشاعر بروح التراث وإيقاعاته وألوانه المستمدة من الريف الفلسطيني، ومن ثم عمل على تطويره.
كما اعتمدت فرقة جذور على المجوز وهي آلة مصنوعة من عظم النسر، إضافة إلى القانون والعود والطبل والمزهر. فنقلت الثنائية التراث للأجيال بشكل جديد وأسلوب خاص، وانتشرت الأغاني منذ الانتفاضة ومازالت تُغنى إلى اليوم في المناسبات الوطنية والأفراح ومواسم الحصاد ومع المطر وفي الحرب والموت، وكل الأوضاع التي يعانيها الشعب الفلسطيني بعد الاحتلال وما نتج عنها من غربة ولجوء، ومن ثم أخذت مكانها في الذاكرة الجمعية: (ياربعنا هلو ياربعنا جودوا اللي رضي بالذل اش قيمة وجوده واللي ما يرضى القهر بيفرض وجوده ويرد الضيم عن أرض العرب”. كما استحضرت صور القرى والمدن: (فلسطين مزيونة يا محلى عروستنا زينة الشباب وزينة الدنيا موال فرحتنا موال فرحتنا يا مهرها مهما غلا كرمالها بيرخص)، وخاطبت الأجيال في المخيمات والأسرى في السجون، فوثّقت الأحداث التاريخية التي مرّت على فلسطين، وارتبطت بالهوية الفلسطينية التي تتعرّض لمحاولات فصل بين ماضيها وحاضرها، فصارت الأغنية الفلسطينية جداراً حامياً من محاولات الطمس والسرقة.
ملده شويكاني