آلة الزمن الشعرية في مسرحية سوق عكاظ
حلب -غالية خوجة
ما أجمل أن يجتمع الشعراء عبْر العصور على منصة مسرحية واحدة يقدمها الجيل الشاب، وما أجمل إضاءة هذا الجيل على الانتماء للغة العربية والهوية والدفاع عنها والتشبث بذاكرتها وحاضرها ومستقبلها من خلال القصائد.
والسؤال: كيف تمّ تقديم هذه الذاكرة وهذا الانتماء من خلال مسرحية “سوق عكاظ” التي عرضت على مسرح صالة معاوية كفعالية ثقافية برعاية مديرية التربية ومشاركة المسرح المدرسي وذلك إحياء للغة العربية وتأكيداً على أصالتها؟
اعتمدت المخرجة غنوة حيدري على المسرح التعليمي المدرسي الهادف إلى توصيل الأفكار، من خلال أداء استعراضي توثيقي دمج بين المسرح والتلفاز والفصاحة والخطابة، قدمه الطلاب المشاركون بلباسهم الفلكلوري المتناسب مع الأزمنة والأمكنة المختلفة بين سوق عكاظ الشعري والعصر الإسلامي والأندلسي والعباسي والأموي والحديث، وكانت السينوغرافيا بسيطة ومتناسبة ديكوراً وأزياء وإضاءة، إضافة إلى توظيف الشاشة الالكترونية لمزيد من الإيضاح.
اتسم العرض بجمالية “مسرحة المناهج”، وتضمينه شخصية تراثية فلكلورية هي الحكواتي، وظهور النابغة الذبياني كحكم شعري، ثم لينطلق سوق عكاظ وأحداثه المتسلسلة حالما تبدأ آلة الزمن الشعرية بالحضور مع الشعراء الطالعين من تلك الأزمنة، أمثال امرؤ القيس وحسان بن ثابت، والخنساء وأكثم بن صيفي وكعب بن أبي زهير والفرزدق وجرير وقيس وليلى والمتنبي وأبو فراس الحمداني وعمر الفرا وسميح القاسم وسليمان العيسى وعمر أبو ريشة.
وعبْر المشاهد المتلاحقة، استمعنا إلى قصائد هؤلاء الشعراء وغيرهم من شعراء الموشحات والفصحى بأصوات 17 طالباً وطالبة، انفعلوا وتفاعلوا مع الكلمات الجميلة، وبعضهم كان منسجماً مع المعنى والأداء الذي عبّرَ عنه ليكون ممثلاً، وبعضهم أدّاه بخطابة، إلاّ أن المحور الدرامي الدائر عبْر العصور هو انتصار اللغة العربية رغماً عن أعدائها الذين يقولون بأنها هرمت، ولم تنجب المزيد من الشعراء لأنها ابتدأت بملك وهو امرؤ القيس وانتهت بملك وهو أبو فراس الحمداني، مما جعل الطلاب يتشبثون أكثر بلغتهم وأخلاقها وقيمها وهويتها ووطنيتها ويتحدثون عن حكمتها وتجددها من خلال الشعراء المعاصرين، وقصائدهم التي تمجد اللغة والشهداء والوطن.
إضافة لذلك، وظفت المؤلفة والمعدة زينة سيرجيه الثيمات الموضوعية للشعر بفنية متناغمة مع أهداف القصائد وغاياتها، فأشارت إلى الغزل العذري موضحة مفهومه الرفيع للحب البريء، وركزتْ على الحكمة والفطنة والذكاء والفلسفة، ولفتت إلى توظيف الشعر كإعلام وثقافة وافتخار ومحبة وإعلان مثل “قل للمليحة- ربيعة بن عامر التميمي الشهير بالمسكين الدرامي”.
كما ركّزت المسرحية التي هي من إشراف وإدارة عالية خلوف وإبراهيم صلاحو، على قدرة الطلاب على حفظ القصائد، والتأكيد على أهدافها، وتنمية رهافة الحس الإنساني والوطني واللغوي.