كيف تستفيد الولايات المتحدة من الترويج للتهديد “الروسي الصيني”؟
سمر سامي السمارة
اليوم، إذا كانت ثمة قضية واحدة في الولايات المتحدة تحظى بالقدر نفسه من اهتمام الجمهوريين والديمقراطيين، فهي اعتبار الصين أكبر تهديد للسيطرة الأمريكية على العالم، لذا يرتبط الحزبان باتفاق قوي يتعلق بتطوير تحالف عالمي ضد الصين.
فيل السابق، كان وزير خارجية إدارة ترامب، مايك بومبيو، في مهمة طوال فترة ولايته لبناء هذا التحالف، كما كرست إدارة بايدن نفسها لنفس المهمة. وبالفعل، فإن مستوى التدهور الذي شهدناه في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين خلال عهد بايدن يتجاوز الاضطرابات التي تسببت بها إدارة ترامب. وبالتأكيد، يصح الأمر نفسه على الجغرافيا السياسية للولايات المتحدة تجاه روسيا، فقد مكنت العملية العسكرية الروسية الجارية في أوكرانيا الولايات المتحدة من تعزيز موقفها تجاه أوروبا.
وللحفاظ على هيمنتها، تعتمد الولايات المتحدة على بيع أسلحتها إلى حلفائها، إذ أن بيع أنظمة الأسلحة نشاط متعدد الأبعاد. فمن ناحية، تجني الولايات المتحدة مليارات الدولارات من خلال بيع الأسلحة، ومن ناحية أخرى، تعزز الولايات المتحدة خلال بيع أنظمة أسلحتها إلى حلفائها، اعتماد هذه الدول على الولايات المتحدة.
وبطبيعة الحال، تستطيع الولايات المتحدة تحقيق مبتغاها من خلال الترويج للتهديد الصيني الروسي للعالم. لذلك، فمن غير المستغرب أن تقفز الموارد المالية للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي بشكل كبير منذ بداية التوترات بين روسيا وأوكرانيا والتي بدأت بسبب دفع الولايات المتحدة لتوسيع الناتو إلى أوروبا الشرقية لتطويق روسيا.
وبحسب التقارير الواردة في وسائل الإعلام الأمريكية، قفزت حصة الشركات العسكرية الأمريكية الكبرى السوقية، بشكل كبير منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث سجلت شركة “لوكهيد مارتن” نمواً بنسبة 25 ٪ ، بينما كسبت أسهم شركة “رايثيون” 16.4% في نفس الفترة. لذا فإن الأزمة التي أحدثتها الولايات المتحدة هي، بالتالي، فرصة تجارية كبيرة بالنسبة لهذه الشركات، وهذا ما أكده جيمس تايكليت، الرئيس التنفيذي لشركة لوكهيد مارتن نفسه.
في 25 كانون الثاني الماضي في اجتماع “طلب الأرباح ” مع المستثمرين، أخبر الرئيس التنفيذي لشركة لوكهيد قائلاً، “إذا نظرت إلى تطور مستوى التهديد والنهج الذي تتبعه بعض الدول خاصة روسيا اليوم، والصين، هناك منافسة متجددة للقوى العظمى تشمل الدفاع الوطني والتهديدات التي يتعرض لها والمساهمة التي يمكننا تقديمها في لوكهيد مارتن تهدف إلى زيادة كفاءة وموثوقية منتجاتنا التي نوفرها لعملائنا اليوم. وثانياً، لمحاولة جلب هذه التكنولوجيا الرقمية للقرن الحادي والعشرين إلى المؤسسة بطريقة تسمح لنا بمواكبة الخصوم أثناء تطويرنا لأنظمة أحدث وأكثر تقدماً”.
في الواقع، تسدد هذه الشركات الأموال بطرق تكمل الاقتصاد السياسي العام للولايات المتحدة، إذ تقدم الولايات المتحدة المساعدة العسكرية لأوكرانيا بأنظمة الأسلحة التي تزودها بها هذه الشركات مباشرة، و تعد المساعدة العسكرية التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات المقدمة لأوكرانيا جزءاً من حزمة المساعدات الإجمالية لأوكرانيا البالغة 13.6 مليار دولار. وهنا لابد لنا من الإشارة إلى أن هذه المساعدة تجعل الولايات المتحدة، من ناحية، “الحامي” الوحيد لأوروبا، ومن ناحية أخرى، تمهد الطريق للدول الأخرى للاعتماد أكثر فأكثر على الولايات المتحدة من أجل تلبية احتياجاتها الدفاعية.
وفي ظل الظروف الحالية، قامت العديد من الدول في أوروبا – بما في ذلك ألمانيا بتعديل سياساتها الدفاعية. حتى أن ألمانيا اشترت طائرات مقاتلة من طراز F-35 ، ما يخلق العديد من الفرص التجارية للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي.
من المؤكد، إن النمو الهائل الذي يشهده المجمع الصناعي العسكري الأمريكي لا يرتبط بالصراع الروسي الأوكراني وحده، فقد كانت الولايات المتحدة تروّج بشكل كبير لتهديد الصين للدول ذات الصلة، مثل أستراليا.
كما تشير بعض التقارير التي صدرت مؤخراً، فإن أستراليا مستعدة لشراء المزيد من أنظمة الأسلحة من الولايات المتحدة لحماية نفسها من “التهديد الصيني”. وفي 5 نيسان الجاري، قال وزير الدفاع الأسترالي بيتر داتون، في إشارة إلى “التهديد الروسي الصيني”، أنهم سوف ينفقون 2.6 مليار دولار أمريكي لتعزيز قدرة ردع أستراليا ضد الأعداء المحتملين. وعلى حد قوله، “كان هناك افتراضاً عملياً بأن هجوماً عدوانياً من جانب الصين تجاه تايوان قد تقع أحداثه في الأربعينيات من هذا القرن. أعتقد أن الجدول الزمني الآن مضغوط بشكل كبير “.
بالنظر إلى ما يسمى بالطبيعة “الوشيكة” للهجوم الصيني على إستراليا، فإن المقاتلات إف أي -18إف سوبر هورنت ستكون مسلحة بصواريخ جو – أرض محسنة أمريكية الصنع بحلول عام 2024.
بالإضافة إلى ذلك، استخدمت أستراليا أيضاً تقنيات شركتي رايثيون و لوكهيد للمساعدة في بناء أنظمة أسلحة موجهة في البلاد. وكما تشير التقارير، تخطط الحكومة الأسترالية لإنفاق 761 مليون دولار لبناء نظام صواريخ موجهة.
هذه الشراكة مع المجمع الصناعي العسكري الأمريكي هي بالإضافة إلى بيان تحالف “أوكوس” في 5 نيسان الحالي الذي أظهر التعاون في مجال “تفوق سرعة الصوت ومقاومة تفوق سرعة الصوت، وقدرات الحرب الإلكترونية، فضلاً عن توسيع تبادل المعلومات وتعميق التعاون في الإبداع الدفاعي “.
والأهم من ذلك، يأتي هذا التعاون المتجدد على خلفية ما أسماه البيان “غزو روسيا غير المبرر وغير القانوني لأوكرانيا”، ما يوضح كيف تواصل الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع حليفتها التي تم اختبارها على مر الزمن، الترويج لـ “التهديد الروسي” عبر المحيط الهادئ للحفاظ على ما تسميه الولايات المتحدة المحيط الهادئ “الحر والمفتوح”.
ومع ذلك، نظراً لأن تفاصيل الأرباح والعقود التي تحققها الشركات الأمريكية خلال هذه الأزمة بالذات تظهر أنه، بالنسبة للولايات المتحدة، لا يتعلق الأمر أبداً بفعل أي شيء للحفاظ على نظام “حر”، بل على العكس من ذلك، فإن الأمر يتعلق دائماً بمصالح الولايات المتحدة، على الصعيدين الجغرافي والاقتصادي.
المزيد من العقود للشركات العسكرية الأمريكية يعني المزيد من المنشآت، وبالتالي المزيد من الوظائف للأمريكيين في تلك الشركات. فكلما اشترت هذه الدول أسلحة من الولايات المتحدة، كلما زاد اعتمادها على الولايات المتحدة للدفاع عنها وعن بقائها، وبهذه الطريقة تحافظ واشنطن على سيادتها.