أردوغان غير الموثوق
علي اليوسف
مع كل مشهد جديد على الساحة العربية والدولية، يثبت رأس النظام التركي أنه شخص غير موثوق، ونراه يتحرك بما تمليه مصالحه الشخصية وليس ما تمليه ضرورة التحالفات الاستراتيجية أو الجيو سياسية. هذه التبدلات السريعة في المواقف هي غالباً ما تكون لتحقيق مصالح خاصة به شخصياً، لهذا نرى أن تصريحاته النارية تتحول فجأة إلى غزل دبلوماسي مثلما حصل حين استقبل نظيره الصهيوني المعين كرئيس مؤقت “إسحاق هرتسوغ” في أنقرة مؤخراً على حساب ما كان يروج له على أنه “قائد العالم الاسلامي”، وبعدها زيارته إلى المملكة السعودية على حساب التحالف مع مشيخة قطر والمشروع الاخواني، وقبل ذلك تزويد أوكرانيا بطائرات مسيرة على حساب “إس 400” الروسية والتراجع عن جميع التفاهمات مع الجانب الروسي والعودة إلى الحظيرة الغربية والأمريكية.
وبعيداً عن الارتياب المرضي، يعاني رئيس النظام التركي منذ أكثر من عامين على المستوى الداخلي من تدهور اقتصادي، وارتفاع كبير في التضخم، وتراجع غير مسبوق في قيمة الليرة، وإجراءات وقرارات غير مسؤولة أدت لامتعاض واضح لدى شريحة كبيرة من الشعب التركي، وتراجع شعبيته إلى أدنى مستوى لها، والأهم من هذا وذاك هو زيادة تقارب المعارضة التركية وتوقيعها وثيقة تؤكد تحالفها الاستراتيجي لإسقاط أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة المزمع إجراؤها العام القادم، ونيتها التوجه نحو تغيير الدستور والعودة للنظام البرلماني.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، يبحث النظام التركي عن أي مخرج لكسر الحصار والعزلة المفروضان عليه من قبل الكثير من الدول الأوروبية التي دخلت في صراع مع أردوغان بسبب الدور التركي في ليبيا، والصراع حول الغاز في المتوسط، واستفزاز أوروبا وتهديدها بملف اللاجئين، وتصحيح العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
إذاً من الواضح أنه على المستوى الأول وهو الداخلي أن أردوغان يطمح لاستقطاب المزيد من رؤوس الأموال الصهيونية، والخليجية لرفع ميزانه التجاري، وتحسين الواقع الاقتصادي المتردي، بل والأهم أنه يبحث عن أية مساعدة لدعمه في الانتخابات الرئاسية القادمة لضمان استبداه في الاستمرار بالسلطة.
وعلى المستوى الخارجي، يطمح أردوغان، من خلال علاقات التطبيع التي سارت بها دولة الاحتلال مع الدول العربية، لنسج علاقة جديدة مع هذه الدول من خلال الضغوط التي يمكن أن يلعبها الكيان الصهيوني، فضلاً عن ضمان نصيبه من غاز المتوسط والدخول لمنتدى الغاز الذي تحول لمنظمة إقليمية بوساطة صهيونية بعدما عجز عن الاستيلاء على آبار الغاز بالقوة.
وبقراءة هادئة لما قد تؤول إليه الأمور في المستقبل المنظور، فإن رأس النظام التركي أردوغان في أسوأ حالاته، ومساعدته لن تكون دون مقابل كبير جداً، وهذا المقابل هو الذي سيكشف الوجه الحقيقي للإخواني أردوغان، ويسقط قناع الخداع الذي انتهجه خلال عقد ونصف من الزمن. هذا المقابل قد يكون الضغط على المزيد من الدول التي تنتهج إيديولوجية الإخوان مع الكيان لتوسيع دائرة اتفاقية “أبراهام”، كما حصل في المغرب على سبيل المثال، وتسليم تركيا للكيان الصهيوني كل الوثائق والمستندات التي تعود للحقبة العثمانية حول فلسطين لطمس حقيقة عروبتها المتجذرة، وهو ما ألمحت له صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” الصهيونية منذ شهرين بأن تركيا عازمة على تسليم “نقش سلوان” التاريخي، والذي يزيد عمره عن 2500 عام، لدعم المزاعم الصهيونية في فلسطين، وأخيراً إغلاق مكاتب المقاومة الفلسطينية في تركيا، وبالتالي انكشاف الوجه الحقيقي لأردوغان، وانكشاف حقيقته كأداة وظيفية لتحقيق مصالح الكيان الصهيوني.