اليمين المتطرف يتعزز في فرنسا
هيفاء علي
صحيح أن لوبان فشلت للمرة الثانية على التوالي في الوصول إلى سدة الحكم بفرنسا، إلا أنها هذه المرة حققت نتائج كبيرة، فقد حصلت على 41.8% من الأصوات أمام إيمانويل ماكرون الذي حصل على 58.2%. في انتخابات 2017، لم تحرز مارين لوبان إلا 33.9% من جملة الأصوات، فيما أحرز منافسها ماكرون 66%، أي أنها قلصت الفارق بينهما من 32 نقطة إلى 16 نقطة فقط، ما يعتبر إنجازاً كبيراً في مسيرة اليمين المتطرف. وبحسب المراقبين الفرنسيين، فقد أثبتت نتائج الانتخابات الرئاسية تمكن لوبان من تحقيق إنجاز تاريخي غير مسبوق لحزب التجمع الوطني ولليمين المتطرف ككل، ما يدعم وجود حزبها في الساحة السياسية الفرنسية. واعتبرت زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف أن ما حصدته من أصوات في الانتخابات الرئاسية يشكل “انتصاراً مدوياً”، ووعدت بمواصلة مسيرتها السياسية، مشددةً على أنها “لن تتخلى أبداً عن الفرنسيين”، ومؤكدة أن “النتيجة تشكل انتصاراً مدوياً”.
هُزمت لوبان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لكنها أوصلت اليمين المتطرف إلى أبواب السلطة، مع أعلى نسبة أصوات في انتخابات رئاسية منذ الحرب العالمية الثانية، إذ لم يسبق لأي حزب من أقصى اليمين في فرنسا أن حقق مثل هذه النتيجة في انتخابات وطنية. وحققت لوبان ضعف النتيجة التي حققها والدها، الزعيم التاريخي لليمين المتطرف الفرنسي جان ماري لوبن في سنة 2002 في مواجهة جاك شيراك، وأصبح اليمين المتطرف بذلك متفوقاً على اليسار بكل أطيافه، ما يعني تغيراً في الخريطة الانتخابية وأيضاً في المزاج العام للناخبين، في ظل مستويات قياسية للمقاطعة لم تكن مألوفة من قبل، ولولا تكتل أغلب المرشحين إلى جانب ماكرون ودعوتهم أنصارهم لقطع الطريق أمام لوبان لكان اليمين المتطرف في قصر الإليزيه الآن.
ورغم تأثيرات كورونا والحرب ضد أوكرانيا، تمكن اليمين المتطرف في فرنسا من حصد نتائج مهمة في الانتخابات الرئاسية، أي أنه في تمدد متواصل وربما يصل لقصر الإليزيه في الانتخابات القادمة. كما أثبتت الانتخابات الأخيرة أن قرابة نصف الناخبين الفرنسيين يحملون أفكاراً يمينية متطرفة، وأنهم يميلون إلى الخطاب الشعبوي الذي يضع على رأس هرم أيديولوجيته مناهضة المهاجرين والأقليات عموماً، بجانب تعزيز القوميات والضرب بشعارات الحضارات وقبول الآخر بعرض الحائط.
كانت أفكار اليمين المتطرف تغري في البداية أولئك الذين يعتقدون خطأ أن الأجانب هم سبب أهم مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية، لكنه اليوم أصبح يغري الشباب وشرائح اجتماعية كانت تصوت من قبل لأحزاب اليسار واليمين التقليدي. وللتذكير، تعتمد زعيمة اليمين المتطرف منذ وصولها إلى رأس حزبها عام 2011 خلفاً لوالدها، خطاباً مناهضاً للمهاجرين، وتتخذ من العنصرية والفاشية خطاً لها، ومن كراهية الأجانب الملونين رأسمالها الثابت الذي لا يتغير رغم مرور السنين.
من جهة أخرى، قد تحدث ارتدادات صعود اليمين المتطرف الفرنسي زلزالاً سياسياً من شأنه أن يمس دولاً أوروبية عدة على غرار ألمانيا في ظل فشل الحكومات الأوروبية في إيجاد حلول للمشكلات المزمنة التي تعاني منها بلادها، وعلى رأسها المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. والى جانب حزب الجبهة الوطنية الفرنسية في فرنسا، هناك عدة أحزاب بارزة لليمين المتطرف، تنتشر في دول أوروبا، أبرزها حزب الحريات اليميني المتطرف في هولندا الذي يتزعمه خيرت فيلدرز، والحزب النمساوي اليميني الشعبي، والحزب اليميني الشعبي الدانماركي، وحزب البديل من أجل ألمانيا الألماني، وحزب رابطة الشمال الإيطالية الذي يقوده ماتيو سالفيني، وحزب القانون والعدالة البولندي الذي يتزعمه ياروسلاف كاتشينسكي.
وتعود الجذور التاريخية للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا إلى الفترة ما بين الحربين العالميتين التي ازدهرت فيها الأنظمة الفاشية النازية، وفي فرنسا كانت حكومة فيشي المساند الرسمي لهذه التنظيمات اليمينية المتطرفة، حيث تشترك الأحزاب اليمينية المتطرفة، في رؤيتها المناهضة للمهاجرين. كما ساهمت العديد من الأحداث الإقليمية والدولية في حجز اليمين المتطرف مكاناً بارزاً ضمن الخريطة السياسية الحزبية الأوروبية، وظهر ذلك من خلال النجاحات المتكررة التي حققتها في الانتخابات التشريعية والمحلية والأوروبية، لكن نتائج لوبان الأخيرة في انتخابات فرنسا سيكون لها الوقع الأكبر على هذه التنظيمات المتطرفة.