النّمطية لا تصنع “نجماً عالمياً”..!!
في توصيف مقتضب للشّهرة، يقول الفنّان “التّجاري” الأمريكي آنديوارهول (6 آب 1928- 22 شباط 1987): “في المستقبل سيكون بقدرة أي شخص أن يحظى بخمس عشرة دقيقة من الشّهرة”، وهذا ما حصل فعلاً مذ ما يقارب الخمسة عشر عاماً – تقلّ أو تزيد قليلاً – في ظلّ وجود وسائل التّواصل الاجتماعي المتعددة والمختلفة والمتجددة، إذ يعمل مالكوها على تحديثها كلّما شعروا بمنافسة وسيلة أخرى أو استطاعوا الوصول إلى أخرى أكثر فاعلية وقبولاً.. وطلب الشّهرة ليس أمراً حديثاً بل قديم، وتذكر بعض الدّراسات أن أحد طلّاب الشّهرة حين سمع بكتاب ابن الأثير (1160 و1161 م) “الكامل في التّاريخ” قال: ليت ابن الأثير ذكرني في كتابه ولو في أسماء اللصوص.. ولا ترتبط الشّهرة بإيجابية أو سلبية العمل أو الشّخصية، بل على العكس تماماً هناك من كانت سلبياته سبب شهرته والشّواهد كثيرة في كلّ المجالات الفنّية والأدبية والاجتماعية الافتراضية منها والواقعية، لكن هذا لا يجعل من الشّخص نجماً بالمعنى الحقيقي لكلمة أصبحت مصطلحاً يطلق على كلّ من عطس.
الأمر المثير للاهتمام هو أنّ الشّهرة في عالم الاقتصاد تعني أحد الأصول الثّابتة غير الملموسة، أي تلك التي تفقد الكيان المادي الملموس، بحيث لايمكن استخدامها لسداد ديون الشّركة وعادة ماتكون ضئيلة القيمة في حالة تصفية الشّركة أو خروجها من النّشاط، وفي معجم اللغة يرد تعريف كلمة “نجومية” بأنّها مصدر صناعيّ من نُجوم وكون الشّخص نجماً لامعاً، أي يسعى لتحقيق نجوميّته في الوسط الفنيّ. وبمقاربة بسيطة لهذا التّعريف مع تعريف الشّهرة -اقتصادياً- نجد بعض القواسم المشتركة من حيث ارتباط الشّهرة والنّجومية بالأرقام، أي أعداد المشاهدين والمتابعين أو المعجبين، مع اختلاف بسيط هو أنّ الاقتصاد دقيق أكثر بإحصائياته، كذلك ارتباط كلا التّعريفين بالشّركات، فكما تصنع الشّركات الأموال تصنع شركات الإنتاج النّجوم وفقاً لرغباتها ومصالحها وأهدافها وخططها الاستراتيجية وغير الاستراتيجية، لكن إن سلّمنا بوجود المصطلح لا بدّ من التّساؤل: لماذا يتمّ حصره بالفنّ دون بقية المجالات، مع العلم أنّه في زمن مضى كان البعض يعدّ الأديب لامعاً والصّحفي لامعاً والسّياسي لامعاً من دون أن تسبق هذه الصّفة بـ “النّجم”.
موضوع الشّهرة والنّجومية ليس بالإشكالي الجديد، لكنّ الخوض فيه بمنزلة الخوض بموضوع المساواة بين المرأة والرّجل، فكلّ يشدّ اللحاف صوبه، حتّى إذا أردنا البحث بالمصطلح كمصطلح لن نعرف السّابق من الّلاحق، هل الشّهرة تسبق النّجومية أم العكس؟ ولن نعرف الدّائم من المؤقّت، لكن ما نلاحظه وصرنا ندركه تماماً هو أنّ هذا المصطلح يطلق جزافاً على أناس لا يستحقونه من شاكلة الـ”يوتيوبر” وبعض الفنّانين سواء أكانوا ممثلين أم رسّامين أو راقصين أو مغنين يطلق عليهم البعض لقب “مطرب”، وهم أبعد ما يكونون عن الطّرب وهذا موضوع آخر لا يقلّ أهمية عن موضوعنا.
وسنحدّد حديثنا أكثر بالممثّل، حيث لا يتوقّف إطلاق مصطلح “النّجم” على ممثل دون غيره هنا، بل يتعدّاه إلى اتباعه بصفة “العالمي” لمن شارك بمشهد أو لقطة في فيلم من أفلام “هوليوود” الأمريكية، أو لمن شارك وحضر حضوراً باهتاً نمطياً ورتيباً لا جدّة فيه ولا روح ولا حياة بفيلم أو اثنين فقط، ممّا تنتجه مدينة سينمائية معروف مستوى مصداقيتها وموضوعيتها، أي أنّ انحيازها لكلّ ما هو أمريكي واحتقار ما سواه لم يعد أمراً خافياً على أحد. فهل باتت النّجومية العالمية تعني الظّهور فقط في عمل من إنتاج هذه “المدينة”؟ وهل باتت النّجومية مجرّدة من معايير تصنيف الممثل ومستوى التّمثيل كقوّة الأداء واللغة والتّمكن من اللهجة التي يقدّم بها العمل والاستغناء عن ملامح الوجه العادية والتّخلص من جمودها والّلعب عليها كما تتطلّب الشّخصية ولو كانت تاريخية جامدة أو لنقل كما يقول أولاد الكار تغيير الجلد؟
لماذا يطلق لقب “نجم عالمي” على ذاك الممثّل النّمطي بحضوره، ولاسيّما عندما يؤدّي شخصية اليساري، والذي اختارته “هوليوود” ليكون الوجه “العربي” لفيلمها التّاريخي، وهي التي لا يصعب عليها اختيار ممثّل من ممثّليها لأدائه وبمستوى أفضل بكثير وتاريخها يشهد؟ لماذا لا يطلق هذا المصطلح على ممثل آخر نشاهده مختلفاً ومتمكّناً من أدواته، سواء من حيث الشّخصيّة والصّوت والحركات وتعابير الوجه ومتنوعاً ناجحاً في السّينما والكوميديا والدّراما والمسرح والإخراج؟ تصنيف يتبعه تمجيد للأوّل وتسهيل لأموره وأمور أبنائه في الوسط ذاته ومحاربة لابن الثّاني في الوسط ذاته أيضاً.
ولن ننأى بأنفسنا كإعلام عن هذه المشكلة وتوابعها التي يساهم بها بعض زملاء المهنة من تمجيد وتعظيم وتفخيم لبعض الـ”نجوم العالميين” مقابل مبلغ قليل من المال أو وليمة فخمة و”نفس أركيلة” في مطعم من درجة أربع نجوم أو أكثر، لتختتم الجلسة ببضعة صور لزيادة الشّهرة شهرةً و”النّجومية” نجومية، ناسين أو متناسين أنّنا أصبحنا جميعاً مشهورين وكلّنا في مجاله نجم لكن غير عالمي لأنّ إثبات هذا بحاجة لإحصائيات عالمية.
نجوى صليبه