ماكرون تحت وطأة التهديد بالإضراب
عائدة أسعد
شارك عشرات الآلاف من الأشخاص بمظاهرات في الشوارع الفرنسية نظمها النقابيون والمدافعون عن البيئة والأحزاب اليسارية وذوي السترات الصفراء المناهضين للحكومة الفرنسية في عيد العمال ليرسلوا رسالة إلى إيمانويل ماكرون بأنه يجب عليه استشارة المواطنين أكثر خلال فترة ولايته الثانية، والتراجع عن خطط رفع سن التقاعد، ومواجهة الاحتجاجات. وقالت نقابة “سي جي تي” اليسارية في تولوز: “سيكون هناك قتال حول المعاشات التقاعدية وهذا واضح- لقد تم إعلان المعركة”.
وبحسب الحكومة الفرنسية تمّ القبض على 45 شخصاً خلال المسيرة السلمية في باريس بعد أن قامت مجموعة صغيرة من الأشخاص، وصفوا بأنهم فوضويون من الكتلة السوداء، بتحطيم نوافذ الشركات، بما في ذلك مطاعم ماكدونالدز، ومهاجمة أجهزة الصرافات، وإحراق الصناديق، حيث أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع واعتقلت امرأة لمهاجمتها رجل إطفاء أثناء إخماد حريق وأصيب ثمانية من ضباط الشرطة.
إن ماكرون الوسطي الذي أعيد انتخابه في نهاية الأسبوع الماضي بنسبة 58.5٪ من الأصوات ضد اليمينية المتطرفة مارين لوبان يتعرض لضغوط للحكم بشكل مختلف في فترته الثانية، وحسب بينوا تيست، رئيس نقابة المعلمين في جامعة “إف إس يو” : “هذا يوم سياسي للغاية إنها لحظة حاسمة”.
في المقابل، قال ماكرون للسكان المحليين في جولة في جنوب غرب فرنسا: “أريد تهدئة الأمور” بعد أن تعهد بمراعاة كل من صوت لمصلحته، بما في ذلك أولئك اليساريون الذين اختاروه ليبعدوا عن لوبان، حيث سيناقش ماكرون -قبل البدء بولايته رسمياً- من يجب تعيينه كرئيس للوزراء الجديد والذي سيكون له صلاحيات موسعة للإشراف على السياسة البيئية الفرنسية، مع العلم أن ماكرون أمضى الأيام الأخيرة في وضع حملته الانتخابية لمواجهة صورته على أنها متغطرسة ومعزولة وإظهار أنه قد فهم التكلفة الحالية.
إن أزمة المعيشة هي الشغل الشاغل للناخبين، وهذا أمر حاسم إذا كان ماكرون يريد تأمين أغلبية وسطية واسعة في الانتخابات البرلمانية في حزيران، والتي من شأنها أن تمنحه حرية التصرف في تنفيذ سياساته الخاصة بإصلاح دولة الرفاهية، ونظام المعاشات التقاعدية، حيث استولى كلّ من لوبان من اليمين المتطرف وجان لوك ميلينشون من اليسار الراديكالي على التصويت في البرلمان.
يقول فرانسوا بايرو، رئيس حزب الوسط “مو ديم”: “ما رأيناه هو انفصال قوي للغاية بين قاعدة الهرم الاجتماعي -أولئك الذين ليس لديهم ثروة ولا قوة ولا نفوذ- وما يُسمّى بالقمة خلال الحملة، ويجب أن يكون هناك نهج حكومي جديد يراعي باستمرار الشعب الفرنسي”.
لقد وعد ماكرون بتكريس فترة ولايته الثانية لمعالجة حالة الطوارئ المناخية بعد الاعتراف بضرورة تسريع السياسة البيئية، لكن استطلاعاً أجرته شركة “إيلاب” بعد فوزه بالرئاسة في 24 نيسان الماضي، وجد أن 57٪ من الناس لا يعتقدون أنه سيجعل البيئة على رأس أولوياته.
إن مهمة السياسة الرئيسية تتمثل على المدى القصير في معالجة أزمة تكلفة المعيشة، ومن المتوقع أن يجدّد ماكرون الحدود القصوى لتكاليف الطاقة، وأن ينظر في المزيد من مدفوعات مكافحة التضخم للأسر ذات الدخل المنخفض هذا الصيف.
وفي النهاية وعد ماكرون بدفع فرنسا إلى القضاء على البطالة التي انخفض معدلها إلى أدنى مستوياته خلال فترة ولايته الأولى -سابع أكبر اقتصاد في العالم- مقارنة بالبلدان الأوروبية الكبيرة الأخرى، وكذلك منطقة اليورو، ولكن مع بلوغ التضخم في فرنسا مستوى جديد -5.4٪ في نيسان الماضي- توقف النمو في الربع الأول.
لقد حذّر المتظاهرون في عيد العمال من غضب الفرنسيين من الكفاح من أجل تغطية نفقاتهم، مطالبين بزيادة الرواتب ورفع المعاشات التقاعدية، وقالت النقابات العمالية في المظاهرات إن خطط ماكرون الجديدة لرفع سن التقاعد قد تؤدي إلى إضراب.
جدير بالذكر أن تعديل ماكرون لمقترح المعاشات خلال فترة ولايته الأولى أثار احتجاجات استمرت لفترة أطول من أي إضراب منذ توقف العمال الجامح في عام 1968، وتمّ تعليق الإصلاح أثناء الوباء. وحسب الأمين العام لنقابة “فورس أوفريير” في مظاهرة باريس: “إذا كانت هناك حاجة فسنقوم بإضراب وليسمع ذلك ولدينا أسبابنا.. إنها ليست مجرد عرقلة إنها تستند إلى حجة اقتصادية واجتماعية”.